«فندق بودابست الكبير» فانتازيا كوميدية اقتنصت الـ«غولدن غلوب»
خاص ـ «سينماتوغراف»
استطاع فيلم «فندق بودابست الكبير ـ The Grand Budapest Hotel» اقتناص جائزة أفضل فيلم كوميدي من جوائز الغولدن غلوب.
ونجح الفيلم الثامن في مسيرة المخرج ويس أندرسون في التفوق على أفلام Birdman وInto The Woods وPride وSt Vincent، والذين نافسوا على نفس الجائزة. ويأتي رالف فينيس على رأس قائمة أبطال الفيلم الذين شاركوا في إثراء قصته الشيقة منذ اللحظة الأولى من الأحداث التي تدور خلال نهاية حقبة الإمبراطورية النمساوية الهنغارية.
ويشارك في بطولة الفيلم إف موراي أبراهام وإدوارد نورتون وماثيو أمالريك وسيرشا رونان وأدريان برودي، وقد ترشح هذا العام لأربع جوائز «غولدن غلوب» وفاز مخرجه بجائزة لجنة التحكيم الكبرى في مهرجان برلين، وتوج الفيلم مسيرته ليلة أمس بحصد جائزة أفضل فيلم كوميدي في جوائز الغولدن غلوب.
في هذا الفيلم لا تبدو بصمة ويس أندرسون مختلفة، لكنها تأخذ أبعاداً أرحب، في معالجة حكاية معقدة في تكوينها، بسيطة في سردها، حيث تأخذ القصة نمطها في السرد من خلال أسلوب يشبه عوالم ألف ليلة وليلة، إلا أن هناك حداثة بالغة في المعالجة من خلال الدلالات التي يلقيها أندرسون في كل ركن من أركان الحكاية التي تمر فصولها من خلال مشاهد تمت السيطرة عليها بالكامل. وفي هذا يبدو أندرسون فريداً من نوعه، ليحافظ بحرفية لاعبِ سيرك على ذلك الخيط الرفيع بين العبقرية والجنون، وينجح في خلق أجواء يختلط فيها العبث السريالي بالسخرية السوداء النابعة من مبالغات ومفارقات يكاد لا يخلو منها مشهد من المشاهد، ويعزز أجواء الإثارة تلك بحوارات سريعة لا تخلو من الذكاء أو الطرافة، موليا عناية كبيرة بالتفاصيل حتى أدقها. ومع أن الفيلم يزدحم بالحكايات المتداخلة، إلا أن هويته لا تختصَر بحبكة أو بأحداث، فالقصة في حد ذاتها هي حجة لاختراع عالم من الشخصيّات التي تبدو وكأنها مستمتعة إلى أقصى حد بمجرد ظهورها على مسرح الأحداث، ومنقادة في الوقت نفسه إلى مصائرها المحتومة. والطريف أن فيلم “فندق بودابست الكبير” لا يدور في بودابست عاصمة المجر، ولكن في دولة اوروبية متخيلة تدعى «جمهورية زوبروفكا»، وقد صور في برلين وفي بلدة على الحدود بين بولندا وألمانيا.
يحكي الفيلم قصة «جوستاف اتش» عامل الاستقبال الاسطوري بفندق بودابست الشهير، حيث تجمعه علاقة وطيدة وحميمة مع صبي عربي يدعى «زيرو مصطفى» الهارب من موطنه في الشرق الاوسط بعد ان أعدمت عائلته في الحرب. حيث تبدأ رحلة مغامراتهما معا.
يبدأ الكاتب والروائي «ويلكنسون» بسرد أحداث رحلته الاستجمامية خلال شهر اغسطس عام 1968 الى فندق بودابست الشهير، الذي يقع في جمهورية زوبروفكا العظيمة بالقرب من الحدود الشرقية لقارة اوروبا، حيث يصطحبنا الى واجهة الفندق الوردي اللون، ويدخل بنا عبر ابوابه الضخمة لتستقر اعيننا على ردهته الكبيرة الفارغة، ونزلائه الموسميين القليلين ومنهم مالك الفندق العجوز «زيرو مصطفى» والذي كان في فترة ما، أغنى رجل في زوبروفكا.
وخلال الاستمتاع بماء الياسمين في احد حمامات الفندق العربية، يفاجأ ويلكنسون بمالك الفندق يخبره بمدى اعجابه بكتاباته ويدعوه لتناول العشاء معه ليحكي معه عن تلك التساؤلات التى دارت بينه وبين عامل الاستقبال، حول امتلاكه للفندق ولماذا يطلب دائما عند قدومه، اعداد غرفة الخادم ليقيم بها .
يعود بنا زيرو مصطفى الى ما بعد الحرب العالمية الأولى وقبل اندلاع نظيرتها الثانية، حيث الاعوام المضطربة وازمة البطالة في اوروبا، ليطلب الالتحاق بطاقم اكبر وافخم الفنادق الاوروبية انذاك، ليحصل على وظيفة فتى الردهة بعد حديث مطول واسئلة كثيرة من عامل الاستقبال المحبوب غوستاف اتش الذي يتصف بالدقة الشديدة والنظام الصارم . والذي عرف عنه ايضا مرافقة النزيلات المسنات والاهتمام بهن وتلبية رغباتهن ونزواتهن، حيث تقع احداهن اسيرة لسحره وتدعى مدام «دي».
يكمل مصطفى حديثه بهوية صاحب الفندق المجهولة انذاك، وان طاقم الفندق بأكمله لم يتمكن من معرفته باستثناء انه يرسل نائبه لتحصيل الاموال ومراجعة دفاتره مع غوستاف والمدير التنفيذي بالفندق. ومع مرور الوقت، يأخذ غوستاف مصطفى تحت جناحه لتنشأ بينهما علاقة ولاء وصداقة حميمة لا رغبة لدى أي منهما بالفكاك منها،
وفي احد الايام يفاجأ مصطفى خلال احضاره للصحف بخبر وفاة الكونتيسة الارملة دي في قصرها بلوتز، فيخبر سيده غوستاف الذي يقرر سفرهما لحضور جنازتها وتوديعها.
ووسط حضور كبير من اقارب العجوز “دي” الذين جاءوا لأجل اقتسام إرثها الضخم، يفاجأ غوستاف بنصيب له من الإرث في وصيتها وهو عبارة عن لوحة «الفتى مع التفاحة» خالية من الضرائب، ما يدفع ابنها «ديمتري» الى الهجوم وتوجيه التهم اليه. وفي النهاية يتمكن غوستاف ومصطفى من سرقة اللوحة بمساعدة «سيرج» خادم القصر وصديقه، والعودة بها الى الفندق، حيث يفاجأوا ببلاغ مقدم ضد غوستاف يتهم فيه بقتل مدام “دي”، ويتم القبض عليه والزج به الى داخل السجن.
يذهب مصطفى لزيارة غوستاف وخلالها يخبره بشهادة عائلة “دي” وصديقه سيرج الذي اختفى بعد شهادته ولم يتمكن احد من الوصول اليه. يصل غوستاف ورفاقه في الزنزانة الى خطة للهروب من السجن، وتتوالى من بعدها سلسلة الجرائم والملاحقات المجنونة التي تدفع بغوستاف، بكل ما يميز شخصيته المركبة من جموح، إلى تجاوز منطق الأشياء واتخاذ قرارات متهورة، مستدرجا معه صديقه الوفي «زيرو». لتبدو قصة الفيلم تشبه حكاية الدمية الروسية، التي تتسارع فيها الأحداث بين الجرائم الغامضة ومحاولات الهروب من السجن والتواري عن الأنظار والمطاردات على منحدرات ثلجية في ظروف أكثر من حرب أهلية تستعر في كل مكان.
«فندق بودابست الكبير»، فيلم رائع، ممتع، وأحد أفضل افلام هذا العام، وبرغم ان أحداثه تجري في فترة تاريخية كانت حافلة بالصراعات السياسية والحروب، إلا انه لم يتطرق لتلك الشؤون وطرح عالما فانتازيا لديه منطق خاص به، معبأ بالمرح والسخرية، وفي محوره الصداقة اللامشروطة والمحبة الأبدية بين الأوروبي والعربي. إنه ببساطة فانتازيا عن الصداقة والوفاء والجريمة والطمع والانتقام والخطط القاتمة، وحكايات مسلية تشعل فينا حنينا لزمن ولى إلى غير رجعة.