«زقاق الكوابيس».. المخرج غييرمو ديل تورو لا يزال ساحراً
«سينماتوغراف» ـ منى حسين
يبتعد فيلم زقاق الكوابيس Nightmare Alley عن الخيال العلمي والأشياء الخارقة للطبيعة التي اعتدناها من أفلام المخرج غييرمو ديل تورو بل يتمسك بقوة بالواقع، ويستعرض وحشية الإنسان بشكل كبير، لكنها لا تضاهي القوة الأنثوية للبطلة وتألق البطل، ورغم أن الفيلم يعاني من البطء أحياناً ومن عدم التوازن أحياناً أخرى، إلا أن الخاتمة تقدم قصاصاً عادلاً جديراً بكتب التاريخ.
كيف يتمكن مخرج محترف بالرعب وملك الترويع الانتقال من الخارق للطبيعة إلى فيلم متعمق جداً في الواقعية؟ الجواب هو بسهولة كبيرة كما نرى. حيث أن فيلم Nightmare Alley للمخرج غييرمو ديل تورو (وهو أول عمل له منذ فيلمه الحائز على الأوسكار The Shape of Water) ينجح بتقديم إطار كلاسيكي غني، رغم أن الأجواء التي اعتدناها منه ليست حاضرة كما قد يتوقع البعض.
يروي الفيلم قصة ستاتون (ستان) كارلايل، وهو رجل ماكر فصيح اللسان يسعى لحياة أفضل، ويشق طريقه من منزل طفولته المحطم نحو عرض مسرحي لغريبي الأطوار حيث يلتقي بمحبوبته مولي كاهيل، ويصل أخيراً إلى المدينة الكبيرة حيث يلتقي بالدكتورة ليليث ريتر المتألقة. لكن تزداد غطرسة ستان (برادلي كوبر) مع مرور الزمن.
يدرك ستان لكل ما يحتاجه الأمر. فهو مسلح بأسلوب فتى مزارع بريء وابتسامة ساحرة، فيشق طريقة بسهولة نحو أي شخص قد يساعده على الصعود. لكن كما يذكر فيلم زقاق الكوابيس عدة مرات، هناك بعض القطع المفقودة في رؤية ستان، ولن يتمكن أي شخص يستغله من ملء الفراغ الذي يلبي احتياجاته.
يتعامل كوبر مع مشاكل شخصيته بسهولة حيث ينتقل بسلاسة بين الشرير والصادق. لكن روني مارا وكيت بلانشيت (اللتان تلعبان دوري مولي وليليث على التوالي) هما من تتألقا أكثر من غيرهما، وسيشعر المشاهد بالتعاطف طيلة الوقت مع شخصية مولي ولطفها، في حين تمتاز شخصية ليليث بالأنثى القوية، وبالرغم من أن فترة ظهورها على الشاشة أقصر من نظيراتها، إلا أن زينا كرمبين التي تؤديها توني كوليت تستحق الذكر بين بقية الطاقم الرائع.
على الرغم من أن الفيلم يفتقر إلى أسلوب ديل تورو النموذجي المليء بالتناقضات الصارخة، إلا أنه لا يزال ساحراً، يبدو أن التلميحات لأفلام هوليوود الكلاسيكية هي صيحة هذا العام، وبشكل مشابه لفيلم قصة الحي الغربي للمخرج ستيفن سبيلبرغ، يستعرض زقاق الكوابيس العديد من الحيل الفنية القديمة، حيث يتم استخدام شاشات الانتقال التي تتلاشى نحو الأسود عندما يظهر مكتب ليلي كما لو أنه خارج من صورة كلاسيكية من ناحية الإضاءة والأجواء.
ورغم أنه لا يمكن القول أن Nightmare Alley لا يستحق وقت مشاهدته الطويلة (والذي يمتد على ساعتين و 20 دقيقة)، إلا أنه يعاني من عدم التوازن بعض الشيء، الفصل الأول بالفيلم هو الأفضل والأكثر إشراقاً على الإطلاق. من ناحية القصة، يضطر ستان ومولي لترك العرض المسرحي، لكن يفتقر بقية الفيلم إلى نفس النوع من التميز، حيث يبدو بريق نيويورك باهتاً مقارنة بالخلفية البشرية الجريئة لجذور ستان ومولي. ومن المحتمل جداً أن يكون ذلك مقصوداً من الناحية المجازية. لكن من ناحية التنفيذ، فإن هناك عدة لحظات لاحقة تعطي شعوراً ناقصاً.
ومع ذلك فإن المكان الذي يتألق فيه حقاً هذا الفيلم هو مواضيعه التي يطرحها، حيث يتحدى ديل تورو نفسه بصنع شيء متجذر بالواقع، ومن المستحيل التشكيك بطريقة تنفيذه، ويقدم الفيلم لحظات وحشية تثير الدهشة وفي نفس الوقت يذكرنا بالقول المأثور القديم القائل: “الجميل يختلف عن الجيد”. الموت حاضر هنا، وكيف لا يحدث ذلك والمخرج هو ديل تورو؟ لكنه ليس شيئاً محورياً. هذا الفيلم عن العذاب والمعاناة، لكن تلك المعاناة رائعة. فهي ملموسة ويتم تجسيدها بشكل رائع لدرجة أنه من الصعب الخروج من الفيلم بشعور غير راضٍ.
لا يقدم زقاق الكوابيس السوداوية التي تتوقعونها من ديل تورو فحسب، بل إن وجودها متعمق بشكل كبير في أحد الموضوعات الرئيسية للفيلم. حيث يتم تمثيل وحشية الإنسان، سواء بشكل كامن أو بالأفعال. فتتلاقى جرائم القتل العادية الهادئة مع العنف الوحشي، والتي يتم تمثيلها لأقصى الحدود.
وبالرغم من مشكلة عدم التوازن التي ذكرناها سابقاً، وحقيقة أن بعض المشاهدين قد يتمنون لو أن الفيلم أقصر قليلاً، إلا أن خاتمته تمثل انتصاراً رائعاً. حيث أن مقابل كل بربرية هناك قصاص ملائم. وتمتزج اللحظات الأخيرة من اليأس مع نوع من الرضى بحيث يصعب عدم مغادرة السينما من دون ابتسامة صغيرة على الوجوه.