أفضل الأفلام السينمائية الصادرة في عام 2021
«سينماتوغراف» ـ متابعات
في نهاية العام الماضي راودت صناع السينما وعشاقها تساؤلات عما إذا كان وباء كورونا الذي اجتاح العالم، وأُغلقت على إثره دور العرض وأوقفت العديد من شركات الإنتاج أنشطتها، سيغير السينما بشكل لا رجعة فيه، وفقًا لموقع بي بي سي بالعربي.
وفي 2021 عادت دور العرض للعمل، وإن لم تعد بكامل طاقتها، كما رافق عودتها كثير من الإجراءات الاحترازية. وفي ظل عدم عودة الإقبال على دور العرض لما كان الحال عليه قبل الوباء، يبدو من غير الواضح ما إذا كانت السينما ستعود لكونها تجربة عامة أو جماعية، أم أن متابعة الأفلام على الإنترنت وعبر منصات المشاهدة المباشرة ستصبح النمط الرئيسي لمتابعة الأفلام.
كما شهد العام صدور الكثير من الأفلام المتميزة، التي حظيت باحتفاء من النقاد، وإن كان العديد منها لم يطرح بعد على نطاق جماهيري أو في دور العرض. وإن كان هذا الأمر سيبدأ خلال الشهر الجاري والشهور الأولى من عام 2022، حيث ستطرح هذه الأفلام في دور العرض لتنافس في موسم الجوائز كجوائز الأوسكار والغولدن غلوب.
وفي ما يلي عرض لبعض أفضل الأفلام التي صدرت خلال العام:
«أسوأ شخص في العالم»
حظي فيلم المخرج النرويجي يواكيم ترير “أسوأ شخص في العالم”، بإشادات نقدية واسعة. والفيلم هو الأخير في “ثلاثية أوسلو” لترير، وهي مجموعة من الأفلام ذات بصيرة نافذة ورؤية إنسانية مرهفة تدور أحداثها في العاصمة النرويجية أوسلو.
جاء العرض الأول لـ “أسوأ شخص في العالم” في المسابقة الرسمية لمهرجان كان في يوليو 2021، ومن المقرر أن يتم إصداره على نطاق أوسع في دور العرض في فبراير من العام المقبل.
يقدم الفيلم وصفة للإمتاع والدهشة لمختلف الفئات العمرية. فمن هم دون العشرين سيجدون فيه فورة آمالهم وأحلامهم في أوج الشباب وما تؤول إليه عندم التقدم في العمر. أما من يعيشون في نضج الأربعين، فسيرون فيه أنفسهم في صباهم.
يدور الفيلم حول حياة يولي (تلعب دورها الممثلة النرويجيةرينات رينزفي)، الشابة لا تزال تتلمس طريقها المهني وآفاقها الرومانسية وتحاول اتخاذ كثير من القرارات الرئيسية في حياتها. يتنقل ترير معها في كل رحلة تتعثر فيها، ويتابع بعدسته كل محاولاتها لاكتشاف الذات.
يدخلنا ترير في التفاصيل الدقيقة لحياة يولي، فنراها ونتفهمها ونرى فيها أنفسنا بكل محاولاتنا ومساعينا وخيباتنا ومباهجنا الصغيرة.
إنه فيلم يشعرنا بالكثير من الشجن، قد نتنهد مع بطلته، يولي، أو نبتسم من قلوبنا ونحن نراها تحاول اكتشاف ذاتها وتسعى لتحقيق آمالها والعثور على الحب.
ربما نرى في الفيلم تحطم أحلام العشرين على صخرة الواقع في الثلاثين، ولكننا في جميع الأحوال نتفهم ونتعاطف مع طيش العشرين وفورة آمال الشباب كما نراها في حياة يولي.
«ميموريا»
يبدأ فيلم «ميموريا» للمخرج التايلاندي الكبير أبيشاتبونج ويراسيتاكول، الذي حصد السعفة الذهبية لمهرجان كان عام 2010، بسكون ليلي مطول يقطعه صوت مفاجئ كما لو كان انفجارا كونيا يأتينا من كوكب بعيد، إنه صوت يبدو لنا أن العالم بأسره لا يعيه ولا يسمعه، إذ لا تلتقطه إلا مسامع جيسيكا، بطلة الفيلم التي تؤدي دورها باقتدار كبير الممثلة البريطانية تيلدا سوينتون.
وكما عودنا ويراسيتاكول في أفلامه، يصحبنا «ميموريا» في رحلة تحررنا من أسر المرئي والملموس إلى آفاق أرحب وأوسع، بل وربما إلى أصل الوجود والكون.
“ميموريا” فيلم فلسفي إلى حد كبير، فيلم تأسرنا صورته البديعة بقدر ما نتعمق معه في الوجود وفي الحياة وفي ما قبل هذه الحياة وما بعدها. هو بحق تجربة روحية يجدر بالمشاهد معايشتها.
«قوة الكلب»
«قوة الكلب» فيلم طال انتظاره، فهو أول فيلم لمخرجته النيوزيلندية جين كامبيون منذ 12 عاما. ويكمن انتظارنا لفيلم كامبيون الأحدث في أنها دوما ما تقدم أفلاما فذة، تخلد في الذاكرة وتغدو من الكلاسيكيات، كما هو الحال مع فيلمها «البيانو» (1993)، الذي توجت على إثره بالسعفة الذهبية لمهرجان كان، لتصبح أول امرأة تفوز بهذه الجائزة المرموقة.
«قوة الكلب»، المتاح حاليا على منصة نتفلكس، والذي حازت عنه كامبيون على جائزة الإخراج في مهرجان فينيسيا، فيلم عن الرجال، أو بمعنى أصح عن التصور السائد لمفهوم الرجولة كما يروج له المجتمع، والذي يقدم الفيلم نقدا لاذعا له.
الشخصية الرئيسية في الفيلم هي شخصية فيل، الذي يؤدي دوره باقتدار كبير الممثل الإنجليزي بنيديكت كمبرباتش، وهو رجل من رعاة البقر الخشنين، الذين يباهون بغلظتهم وفظاظتهم وقسوتهم وقوة شكيمتهم.
لا يفوت فيل لحظة ليظهر فيها مدى شدته وقوته ومقدرته على تحمل قسوة البرية. ولكن ما تصوره كامبيون في الفيلم ببصيرة نافذة هو الثمن الفادح الذي يدفعه فيل ليبدو رجلا صلبا قويا.
نكتشف في الفيلم كيف تخلى فيل عن حبه للقراءة والفن وعن شغفه بالموسيقى وإجادته للعزف، ليصبح رجلا في عالم لا يرى في الرجل إلا جسدا قويا وعضلات مفتولة. يصبح فيل رجلا وفقا للتصور المجتمعي السائد للذكورة لكنه يفقد حياته وروحه في المقابل.
«التذكار الجزء الثاني»
كان فيلم «التذكار» للمخرجة البريطانية جوانا هوغ واحدا من أكثر أفلام عام 2019 حميمية وصدقا، وقدمت فيه هوغ قصتها الحقيقية كطالبة للسينما تعيش قصة حب مدمرة كادت أن تودي بحياتها. ثم جاء 2021 لتقدم لنا هوغ تتمة القصة والفيلم.
كنا نعتقد أننا قد شاهدنا عملا سينمائيا لا يمكن تكرار حميميته وصدقه في الجزء الأول من الفيلم، لتفاجئنا هوغ في الجزء الثاني بفيلم بليغ في لغته السينمائية ومرهف في صدقه وحساسيته.
«التذكار الجزء الثاني» هو فيلم عن امرأة تتعافى من عثرة حبها الأول التي كادت أن تدمرها، وعن مخرجة تخطو أولى خطواتها السينمائية. فيلم يحكي قصة امرأة تتعافى بالسينما وتجد في الإخراج السينمائي سبيلا للتعبير عن الذات والتخلص من الألم النفسي.
فيلم هوغ مضحك بشكل شرير في بعض الأحيان ومحزن بشكل ساحق في أحيان أخرى، إذ يرسم كل حالات صعود وهبوط الحزن الغريبة – ولكنه أيضا عمل رائع عن كيفية قيام الفنانين بتوجيه تلك المشاعر المتضاربة وتحويلها إلى الفن الذي يصنعونه.
وعندما ندخل عوالم هذا العمل، لن يسعنا إلا التصفيق الحار ونحن نرى بطلته تقدم عملها السينمائي الأول كمشروع تخرج، متغلبة على ما مرت به من تجارب وألم، إنه فيلم عن المرأة والشباب وعن تجاوز الصدمات والألم، ولكنه أيضا عن السينما والفن والإبداع.
«صاروخ أحمر»
يبرع شون بيكر، مخرج «صاروخ أحمر»، في تصوير المهمشين والحالمين الذين يعون أن موقعهم على هامش المجتمع قد يعني أنهم لن يحققوا طموحاتهم قط، وعلى الرغم من ذلك فهم يحلمون ويطمحون.
كما هو الحال في فيلميه السابقين «تانجرين» (2015) و«مشروع فلوريدا» (2017)، يقدم لنا بيكر في «صاروخ أحمر» نظرة حميمية لا يشوبها أي تعالٍ على عالم أحد هؤلاء المهمشين الحالمين.
يأخذنا الفيلم إلى عالم مايكي سيبر، الذي يؤدي دوره الأميركي سايمون ركس، الذي كان في ما مضى نجما من نجوم الأفلام الإباحية. كرجل أفل نجمه ولا يملك مالا، ولكنه صاحب أحلام عريضة، يعود مايكي إلى مسقط رأسه في تكساس. يعود خاسرا كل شيء إلا أحلامه الكبيرة التي تبقيه على قيد الحياة، وتبقينا مشدودين لمتابعة رحلته الشاقة.
«ريش»
فيلم «ريش»، للمخرج المصري عمر الزهيري، الذي فاز بجائزتي أسبوع النقاد في مهرجان كان وبجائزة الاتحاد الدولي للنقاد، فيلم يجمع بين الواقع والفانتازيا، ليضعنا أمام صورة قاتمة لاذعة في سخريتها للأسرة المصرية والرجل المصري وللمرأة وما تشهده من منغصات وعذابات في المقام الأول.
الفيلم عن رجل، زوج وأب، يتحول إلى دجاجة. هو رجل فقير يمنّ على زوجته بقروش معدودة يخفيها في صندوق عتيق، لتقيم بها أود أطفالها الصغار، وهي امرأة صامتة معظم الوقت، يحتم عليها وضعها كزوجة لا مال لها أن تكون صامتة راضية بالقليل.
فجأة، وجراء لعبة ساحر، يتحول هذا الرجل قليل النفع قليل الحيلة إلى دجاجة، لتبدأ زوجته رحلتها التي تعيش فيها كل ما تعانيه المرأة من تسلط الرجال وتحرشهم ومن تجبر العالم على امرأة وحيدة لا تركن إلى ظل رجل.
والسؤال الذي يراودنا ونحن نشاهد الفيلم هو هل لو عاد الرجل إلى صورته الأولى كرجل واختفت الدجاجة، ترى هل ستزول معاناة تلك المرأة؟ وهل ستجد السند؟ ويقدم لنا الزهيري الإجابة في النهاية الصادمة للفيلم.
مع نهاية العالم الحالي لا يمكننا إلا أن نقول إن السينما لا تزال قادرة على الإبهار وأسر الألباب والأبصار، وإثارة الدهشة، بغض النظر عن حجم الشاشة. وبينما تتواصل محاولاتنا للتعايش مع وباء غير صورة الحياة كما كنا نألفها، وبغض النظر عن الطريقة التي نشاهد فيها الأفلام، هناك شيء مؤكد؛ السينما باقية ففي أعمالها نرى أنفسنا ونعيش أحلام وانكسارات من هم مثلنا من البشر.