«أنت تشبهني».. يبرئ مهاجرة عربية من تهمة الإرهاب
انتصار دردير
بعد ست سنوات من الهجمات الإرهابية التى تعرضت لها العاصمة الفرنسية باريس عام 2015، وأعلن وقتها عن مصرع أول إنتحارية عربية تدعي «حسناء آيت بوحسن»، يأتى الفيلم المصري الفرنسي الأمريكي المشترك (أنت تشبهني- You Resemble Me) ليؤكد براءة حسناء من هذا الإتهام الذي لاحقها، وأنها لم تقم بتفجير نفسها، بل فعل ذلك إبن عمها وزوجها المنضم لتنظيم داعش الإرهابي، وراحت حسناء ضحية لتفجيراته.
في المشاهد الأخيرة للفيلم وعقب وقوع تفجيرات باريس، تستدعي المخرجة دينا عامر مشاهد أرشيفية بثتها القنوات الفرنسية تتهم الفتاة في البداية، فيما تبرأها جهات إعلام أخري وتعرض لمقاطع تكشف أنها كانت تصرخ للخروج من مكان التفجيرات.
هذا الفيلم يستحوذ على المشاهد من البداية للنهاية، بإيقاع متماسك، وأحداث متلاحقة تلخص رحلة مهاجرين عرب في أوروبا، وكيف إنتهت ببطلتها إلي نهاية مآساوية.
فتاتان صغيرتان تملأن الشاشة حيوية وتثيران البهجة في المشاهد الأولي للفيلم، تخرج بهما الكاميرات إلي شوارع باريس وحدائقها وهما تلعبان وتقفزان في مرح وسعادة، بعدما إرتدت الصغيرة حسناء فستانا يماثل فستان شقيقتها الأكبر مريم في عيد ميلادها لتبدو تشبهها تماماً، كما لو كانا توأماً، لتماثل ملامحهما وتقارب عمرهما، وبمجرد عودتهما إلى المنزل تلاحظ الأم الفستان، يبدو واضحاً أن الأسرة تعاني تدبير نفقات عدد من الأولاد، يلفت الفستان نظر الأم وتري أنه يمكن بيعه لتكسب بعض النقود من ورائه، لكن الطفلة تتمسك بفستانها، وتتصدي الكبري للأم رافضة أن تتاجر بكل شئ يملكانه، تتصاعد الأزمة بين الأم وإبنتيها، فتقرران الخروج من البيت، والهرب من أمهما، تنطلقان في سعادة إلي الشوارع، تشعران بالحرية لأول مرة، تتسولان من المارة، تلقي الشرطة القبض عليهما وتقرر أن تعرضهما للتبني بعد رفضهما العودة لأمهما، توافق الفتاتان بعد أن أعياهما التعب والجوع، تتفاجأ كل منهما أنها ستذهب لأسرة مختلفة، ترفضان بشدة أن تفترقا، تصرخان وتتوسلان المسئولة الاجتماعية لكي تظلا معاً، لكن توسلاتهما تذهب أدراج الرياح ويتم تسليم كل منهما إلي أسرة مختلفة، في فراق أبدي، تبدأ رحلة ضياع كبيرة تعيشها حسناء بعدما فقدت نصفها الآخر وتتواصل أزمتها التى تقودها لنهاية موجعة.
تتوالي الخيبات في حياة حسناء الفتاة الصغيرة والوحيدة التى لم تتجاوز الثانية عشرة، فتهرب من الأسرة التى كفلتها، وتقع ضحية لاعتداء جنسي من سائق إستغل براءتها، وحينما تعود محطمة لوالدتها تمنعها من الدخول وتدفعها إلي العودة من حيث أتت.
في أحد المشاهد المهمة تذهب حسناء للحصول على وظيفة حيث كانت تحلم بالإلتحاق بالشرطة، وتدخل في مناقشات مع مسئول التوظيف الذي يسألها عن تعليمها، ويرفض قبولها وهى لم تحصل على أى قدر من التعليم، وتؤكد له أنها ستقوم بالوظيفة على أكمل وجه، تلح عليه بحاجتها الشديدة للعمل ورغبتها في الإلتحاق به، لكنه لا يعبأ بها وتخرج فاقدة الأمل في حياة سوية تعيشها في مدينة النور.
ثلاث ممثلات يتناوبن على أداء شخصية حسناء بتحولاتها المضطربة في مراحل مختلفة يعبرن عن إحساسها بهويتها المتصدعة، وفي مرحلة الشباب تتناوب الممثلتان صابرينا وزانى، ومنى سويلم أداء الشخصية.
من البداية تدرك المخرجة الشابة دينا عامر هدفها الذى خاضت من أجله رحلة بحث واسعة بحكم عملها كصحفية، لقد أرادت أن تعرف حقيقية ما جري بعد تضارب الأنباء حول حسناء ونعتها بالإنتحارية، فذهبت إلي أسرتها، وتحديداً والدتها التى كانت سبباً فيما جري لها، وإلي شقيقتها التى إفترقت عنها، وكذلك زملائها، وبعدما سجلت نحو360 ساعة ونجحت في جمع الأدلة إختارت أن تقدم قصتها عبر هذا الفيلم الروائي الطويل باحثة عن الأسباب التى أودت ببطلتها إلي هذه النهاية.
فيلم «أنت تشبهني» أنتج بدعم من سبايك لي وسبايك جونز كمنتجين تنفيذيين، وشهد عرضه الأول في برنامج «أيام المخرجين» بمهرجان فينسيا خلال دورته الفائتة، كما عرض لأول مرة عربياً ضمن برنامج «روائع عالمية» بالدورة الإفتتاحية لمهرجان البحر الأحمر السينمائي الذى توج فيه بجائزة الجمهور.
لقد تعاطفت المخرجة الشابة دينا عامر مع قضية حسناء المهاجرة العربية المسلمة، ونجحت في أن تجعلنا نتعاطف معها أيضاً، من منطلق إيمانها بقضيتها وعرضها البارع لها في فيلم يكشف كثيراً من أزمات المهاجرين العرب، كما يرصد معاناتها من قسوة الأم وفراق شقيقتها وشعورها بالضياع الذى دفعها في النهاية للإنضمام لتنظيم داعش، أملاً في أن تجد سبيلاً للعيش بكرامة، ونجح إبن عمها في ضمها، لكنها رفضت أن تشارك في عمليات إرهابية، لقد كانت تحلم بحياة هادئة، غير أنها لم تهنأ بها في أي وقت، هذا الفيلم يوجه سهام الإدانة للجميع.