Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
إضاءات

بعيداً عن عدسة «نتفليكس».. هل «أصحاب ولا أعز» يمثّل فعلاً واقع المجتمع العربي وأخلاقه؟!

 ـ يارا نحلة

إنها الأسطوانة نفسها؛ “نتفليكس” تصدم المشاهد العربي بإنتاج عربي جديد، يثير الجدل والاستنكار بسبب جرأته و”طرحه مواضيع لا تتناسب مع الثقافة العربية”. بات هذا الحديث مكرراً مع كل عمل عربي يمثل على المنصّة، متناولاً الجنس والمثلية. هذه المرة، موضوع الانتقادات هو فيلم “أصحاب ولا أعزّ” المقتبس عن الفيلم الايطالي الشهير Perfect Strangers، والذي لم تمرّ ساعات على بدء بثّه، حتى انطلق ضدّه هجوم في السوشال ميديا، تقابله حملة دفاع وتضامن. أما موضوع الخلاف بين الجبهتين، فهو إذا كان الفيلم يمثّل فعلاً واقع المجتمع العربي وأخلاقه
قبل الخوض في تفاصيل الفيلم، بحثاً عن إجابة لهذه الإشكالية المتجدّدة، فلنتفق أن الجمهور العربي ليس طفلاً صغيراً يجب صمّ أذنيه وعصب عينيه عن الألفاظ البذيئة والمشاهد الجريئة. ولنتفق أيضاً أن الكذب والخيانة الزوجية والمثلية الجنسية وممارسة القصّر للجنس، وهي العناصر التي تقوم عليها سردية الفيلم، ليست أموراً دخيلة على المجتمع العربي. فقد بات من المضحك الادعاء بعكس ذلك، والاختباء خلف أسطورة القيم والأخلاق العربية، خصوصاً حين لا تمانع هذه الأخلاق مشاهدة أي عمل درامي يحوي العناصر نفسها.. شرط أن يكون أجنبياً!

بالعودة إلى موضوع الفيلم، فإن أحداثه تدور حول مائدة عشاء تجمع سبعة أصدقاء مؤلفين من ثلاثة أزواج (جورج خباز ونادين لبكي، دياموند بو عبود وعادل كرم، منى زكي وإياد نصار)، وصديقهم ربيع (فؤاد يمين) الذي كان من المقرّر أن يأتي بصحبة “صديقته” الجديدة ليعرّفها على أصدقائه، لكنه لأسباب غامضة يطلّ منفرداً.

ما كان من المفترض أن يكون عشاء لطيفاً بالتزامن مع خسوف القمر، تتخلّله النميمة والنكات المبتذلة و”التلطيشات” المزعجة التي يتراشق بها الأزواج، وسرعان ما يتحوّل الى كابوس شبيه بلعبة الروليت الروسية. لكن، بدلاً من المسدّس، تقرّر المجموعة اللعب بالهاتف المحمول، وهو رديف السلاح القاتل في عالم العلاقات. على مضض، توافق المجموعة على اقتراح مضيفة العشاء (مي) بأن يضعوا هواتفهم في وسط الطاولة من أجل قراءة الرسائل أو الردّ على الاتصالات الواردة على مرأى ومسمع الجميع. “ما المانع إن لم يكن لدى أي منكم ما يخبئه؟” تحرجهم مضيفتهم، فيضطرون عنوةً للمشاركة في اللعبة لنفض الشبهات عنهم. لكن، بالطبع، الجميع لديه ما يخبئه.

شيئاً فشيئاً، تبدأ الأسرار بالظهور، كاشفةً حجم التصدّع والخداع اللذين يعتريان علاقات شخصيات الفيلم، أصدقاء كانوا أم شركاء. ومع كل لقمة طعام ورنة هاتف، تسقط ضحية جديدة. ثمّة من يذهب الى معالج نفسي بالسرّ عن زوجته، وهي معالجة نفسية أيضاً. ثمّة من تخون زوجها عبر رسائل نصية في فيسبوك مع شخص لم تره من قبل. زوجها، في المقابل، ينتظر كلّ ليلة في تمام العاشرة تلقّي صوراً فاضحة لامرأة أخرى. داخل المجموعة نفسها، ثمة من يخون زوجته مع زوجة صديقه، ومع امرأة أخرى أيضاً تحمل جنينه، إلخ… يتصاعد الاحتقان الى أن ينفجر في وجوههم جميعاً، حين يكتشفون أن صديقهم مثليّ، وهو ما يجد بعضهم صعوبة في تقبّله.

هذه الأحداث مأخوذة بالكامل من نص الفيلم الأصلي، والذي أعيد إنتاجه بالصيغة نفسها 18 مرّة، مسجلاً رقماً قياسياً من حيث عدد النسخات المُنتَجة منه بلغات وسياقات مختلفة. حافظت النسخة العربية على الصيغة وعلى مضمون الأحداث والحوار، باستثناء بعض التعديلات السطحية في لائحة الطعام (مثل الملوخية بالأرانب والمهلبية) وبعض الألفاظ اللبنانية والمصرية الرائجة.

والحقيقة أنه لا حاجة لإجراء الكثير من التعديلات أو الإضافات لجعل العمل “عربياً”. بحبكته البسيطة، يطرح الفيلم صراعات على مستوى العلاقات الإنسانية، وهي ذات صدى عالمي، وليست غريبة عن أي ثقافة أو مجتمع بعينه. مَن منّا، في أي مكان في العالم، لم يختبر يوماً رعب انكشاف محتويات هاتفه الخاص، وما يحويه من أسرار وكوارث شخصية، لا سيما أمام الأشخاص الأقرب منه؟ ومن منّا، في العالم العربي خصوصاً، لا يعرف أو لم يخبر شخصياً تأثير الأم في الإبنة وتحديها لزوجته، واغتراب الأزواج عن بعضهما البعض وبرودهما الجنسي، وصراع الأهل مع المراهقين لا سيما الفتيات حول التجارب الجنسية، وبحث النساء عن صورة جسد مثالية عبر الخضوع لعمليات تجميلية؟

بالطبع المسألة الأساسية التي أثارت حفيظة الجمهور العربي هي استعداد مراهقة (ابنة الزوج المضيف) للخوض في أولى تجاربها الجنسية وضبط أهلها لواقيات ذكَرية بحوزتها. لكن، بدلاً من من وأدها أو ارتكاب جريمة “شرف” بحقها، يشجّعها والدها على اتخاذ القرار الذي تراه مناسباً، محذراً إياها من ارتكاب أي فعل لا ترغب فيه فقط من أجل إرضاء الآخرين. سنقرّ بأن هذا النوع من الآباء، أي الذين لا يمانعون اكتشاف بناتهن لجنسانيتهن في عُمر مبكر، ليس نموذجاً شائعاً بكثرة في العالم العربي، لا سيما الأوساط المحافظة، لكنه موجود مع ذلك، فلا داعي للهلع! مشهد آخر انتفض ضده المشاهدون، لا سيما المصريون منهم، هو مشهد خلع منى زكي لسروالها الداخلي ووضعه في حقيبتها قبل الذهاب الى العشاء. وقد تسبّب هذا المشهد في وابل من الانتقادات التي استهدفت زكي، وصولاً الى اعتبار أن الممثلة قد “حطمت جمهورها”. ان الدراما التي يزخر بها المسلسل لا تنافسها سوى دراما المشاهد العربي المنهار والمتباكي..

 

كذلك، حافظت النسخة العربية على الهوية البصرية للفيلم الأصلي، بتثبيت المخرج وسام سميرة كاميرته في وسط الطاولة ونقلها بين وجوه الشخصيات المحيطة، لالتقاط تعابيرها وانفعالاتها المفعمة بالقلق والحنق. ليس هناك الكثير من الحركة بالنسبة للكاميرا أو الشخصيات المحاصرة حول طاولة العشاء وكأنها في جلسة استنطاق، وهو ما يضع مسؤولية مضاعفة على الممثلين من أجل تشويق المشاهدين وتسليتهم. ينجح بعض نجوم العمل في ذلك، ومنهم جورج خباز الذي يجسّد دور الأب العقلاني المتفهم والزوج الفاتر، ونادين لبكي التي تلعب دور زوجة تخفي خلف هيئتها الرزينة والهادئة عُقداً وصراعات. في المقابل، قدّمت منى زكي أداءً يغالي في الصراخ و”العياط” والنكات الغليظة، أما دياموند فخلقت عبر أدائها الباهت والرتيب شخصية أكثر بلاهة وسذاجة مما كان مقصوداً لها أن تكون.

في ختام الفيلم، يصل الخسوف الى نهايته، ومعه تعود الأمور الى طبيعتها وكأن شيئاً لم يكن، فكأن كل ما حدث خلال فترة الخسوف متخيّل، أو أن انتهاء الخسوف يقترح علينا السؤال التالي: ماذا لو لم يلعبوا لعبة الهواتف هذه؟ كيف كانت لتنتهي السهرة، بلا أسرار مفضوحة وعلاقات مدمّرة؟ في هذه الحال، مضى الجميع في خداعهم وإنكارهم وأوهامهم اليومية، مفضلين العيش في الظلّ والنكران، بمنأى عن الحقيقة وتعقيداتها، لتستمر “الحياة” بيوميات آمنة. وهذا، في الحقيقة، هو حال المشاهد العربي الغاضب والمعترض على العمل؛ هو يعي جيداً نفاق مجتمعه، لكنه يودّ لو يبقى الأمر سراً، بعيداً من عدسة “نتفليكس” وفضائحها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى