معرض صور لأفلام الماضي وذكريات لبنان في «أيام بيروت السينمائية»
بيروت ـ «سينماتوغراف»
يستعيد لبنان شريط ذكريات سينمائية وثقافية مستخرَجة من حكايات الماضي، ليعيد إلى أذهان أبنائه زمنا ذهبيا في وقت يعانون فيه وضعا اقتصاديا هو الأسوأ في تاريخهم، وذلك ضمن فعاليات مهرجان “أيام بيروت السينمائية”.
فبعد غياب دام ثلاث سنوات عاد هذا المهرجان ليلوّن أيام لبنان متنقلا بين ربوعه في دورة عرض تستمر إلى التاسع عشر من يونيو الجاري مركزة على استعادة الوجه المشرق للبنان من خلال عاصمته بيروت، المدينة الرمزية في الثقافية العربية والتي خصص لها المخرج اللبناني هادي زكاك خمسة أشرطة انتقاها من أعمال مختلفة احتفاء بالوجه المفقود من المدينة.
يقدم المهرجان معرض صور بعنوان “في هذا المكان – شرائط لوسط بيروت”، يسترجع مراحل زمنية مختلفة من مدينة بيروت في سنوات تألقها، متنقلا بين موانئ وفنادق وحانات وشوارع المدينة في الفترة الممتدة من عام 1935 إلى 1975، كما يقدم هذا المعرض عروضا لأشرطة قام بتوليفها المخرج هادي زكاك.
هو توجه لاستعادة ماضي لبنان وقد أكدت عليه المديرة التنفيذية للمهرجان جيسيكا خوري في كلمتها الافتتاحية للتظاهرة قائلة “موضوع هذه السنة هو عن علاقتنا مع ماضي المدينة، عبر معرض عن بيروت في أيام العز ما قبل الحرب ومقتطفات من الأفلام التي كان يتم تصويرها هنا والجو العام الذي كان سائدا في بيروت”.
وعلى بعد مئات الأمتار من مرفأ بيروت الذي شهد قبل عامين انفجاراً ضخماً دمّر أحياء من العاصمة اللبنانية، تزيّن صور قديمة للمدينة وملصقات لأفلام تناولتها معرضا افتُتح السبت، وعُرضت على شاشات موزعة فيه خمسة أشرطة من “اكتشاف بيروت ما قبل الحرب” استندت على مشاهد من نحو 50 عملاً سينمائيا.
وتتناول الأفلام الخمسة التي أعدّها المخرج هادي زكاك وتُعرَض في إطار مهرجان أيام بيروت السينمائية “ذاكرة المنطقة الممتدّة من مرفأ بيروت وصولاً إلى الفنادق ومروراً بوسط المدينة التجاري”، وفق البيان الإعلامي للمعرض الذي يقام بالتعاون مع المؤسسة العربية للصورة وجهات أخرى، ويستمر إلى الثاني والعشرين من يونيو في مركز مينا للصورة.
ويقول زكاك (48 عاماً) إن العمل الذي يتيح إعادة “اكتشاف بيروت ما قبل الحرب” بين العامين 1935 و1975 “ليس من قبيل الحنين ولا التغني بالماضي بقدر ما هو حوار مستمر بين الماضي والحاضر”، أراد من خلاله أن يُظهِر “أن ثمة الكثير من الإشارات، حتى في الماضي الجميل، إلى ما جرى في المستقبل”.
وبحسب البيان يستند زكاك، الذي عُرف بأفلامه الوثائقية و”يسعى إلى أن يوثق الذاكرة السينمائية اللبنانية”، على خمسين فيلماً روائياً طويلاً لبنانياً وعربياً وأجنبياً أجرى توليفاً لمشاهد منها عن بيروت، بحسب الأمكنة التي تناولتها.
ويوضح المخرج الذي أصدر كتاباً عام 1997 عن تاريخ السينما اللبنانية أنه “من الصعب العثور اليوم على بعض هذه الأفلام” التي واظب على جمعها منذ سنوات، مشيراً إلى أن “بينها إنتاجات أوروبية، من ألمانيا وإسبانيا وإيطاليا وفرنسا، وأخرى عربية، وخصوصاً مصرية وسورية، وثمة أفلام تركية ويوجد حتى فيلم هندي”.
وإذ يلاحظ أن “الأفلام الروائية تصبح مع الوقت أرشيفاً عن المدينة” فإنه يبرز أن في كل واحد من أشرطته الخمسة “تلميحاً إلى أن في بيروت شيئاً ما سينفجر”.
ويشدد زكاك في تصريحه على أن المنطقة التي اختار التركيز عليها في أشرطته الخمسة “تنطوي على رمزية كبيرة وتمثّل مفهوم بيروت عموماً، وشهدت فصولاً عنيفة من الحرب الأهلية، وكانت الخط الفاصل بين شطري بيروت المنقسمة”. كذلك هي “المنطقة التي كانت دائماً تعكس انقسامات لبنان، وتشكّل صورة مصغّرة عنه”.
ويرى أن “تجربة المُشاهد مع هذه الأشرطة ستختلف بحسب الجيل الذي ينتمي إليه، فمن يعرف بيروت القديمة سيشعر بحنين قوي جداً، ولكن ثمة من سيكتشف مدينة أخرى لم تعد موجودة، وخصوصاً وسط المدينة، الذي كان قلباً نابضاً ومكاناً تجتمع فيه كل الطبقات الاجتماعية”.
يبدأ العمل بفيلم قصير بعنوان “أهلا بكم في بيروت”، يقول زكاك “يتعرف فيه المشاهد على دافع مجيء شخصيات الأفلام إلى بيروت، فيلاحظ مقاربة مختلفة جداً بين أفلام لبنانية وعربية غالباً ما تكون فيها نظرة انبهار بالمدينة، في مقابل الأجنبي الآتي مع أجندته كعميل سري في مهمة، ولا تختلف المدينة بالنسبة إلى نظرته الاستشراقية عن أي مدينة عربية أخرى”.
ويتمحور الفيلم الثاني حول مرفأ بيروت “وهو اليوم مكان ينطوي على الكثير من الرمزيات، لكنّه شكّل دائماً في الأفلام اللبنانيّة محطة للهجرة، ولاستقبال السياح في بعض الأفلام المصريّة والأجنبيّة”، و”كان أيضاً مسرحاً للعمليّات المشبوهة المتمثّلة في التهريب، وخصوصاً في أفلام الجريمة والتجسس الأجنبيّة، وأصبح الخطر على مدينة بيروت مصدره المرفأ وما يخفيه من بضاعة ومطلوبين”.
أما الشريط الثالث فيركّز على وسط المدينة المعروف بـ”البلد”، و”من خلاله يكتشف المُشاهد كل تفاصيل بيروت، من زحمتها وأهمية ساحاتها وتنوّع أسواقها، حيث يتجاور سوق الخضار مع الأسواق التجارية كسوق الطويلة وشارع المصارف والمراكز التجارية الحديثة التي بدأت تظهر في المدينة”.
وفي الشريط الرابع “أوتيل بيروت”، الموضوع هو “الفندق الذي غالباً ما يتجه إليه الزائر العربي، أو الأجنبي من خلال أفلام التجسس الأوروبيّة التي ظهرت بقوة خلال الستينات وإبان الحرب الباردة”.
ويلاحظ زكاك أن “الأبرز سينمائياً بين هذه الفنادق هو ‘فينيسيا’ الذي كان واجهة الحداثة في بيروت، وكذلك ‘سان جورج’ قبل أن يظهر لمدة قصيرة جداً فندق هوليداي إن”.
وينقل الفيلم الأخير “كباريه بيروت” المشاهد إلى “أجواء الحياة الليلية لبيروت، ويعكس هوية المدينة كخليط بين أجواء شرقية وأجنبية غربية، يبحث فيها الأجنبي عن الرقص الشرقي، ويسعى اللبناني إلى أن يكون غربياً، وفيه تلميح إلى أن هذه الهويات ستنفجر في النهاية بطريقة معينة”، وفق زكاك.
ولم يستبعد زكاك أن يجمع أجزاء عمله الخمسة المقسّمة بحسب الأماكن، مشيراً إلى أنه “معدّ ليكون فيلماً واحداً على مدى ساعة ونصف ساعة”.