قراءة في أفلامه السياسية | «وحيد حامد».. لسان حال المواطن البسيط
«سينماتوغراف» ـ منى حسين
وحيد حامد من أكثر كتاب السينما والدراما المصريين إثارة للجدل، فقد اتسمت معظم أعماله بالأبعاد السياسية، ذلك لأنه درس علم الاجتماع بكلية الآداب وله تجارب مهمة في كتابة القصة القصيرة وارتبطت همومه الشخصية بقضايا المواطن البسيط، فعمد إلى أن يكون لسان حاله في التعبير عما يشغله من تفاصيل حياتية واجتماعية وسياسية في كثير من الأحيان، ولهذا ظل وحيد كاتباً مُحتشداً طوال الوقت بالمهم والأهم في أولويات الإنسان الذي لا يملك سوى الاحتجاج والرفض في أحلك الظروف وعند ذروة الغضب.
هذه الإشكالية بالذات عبر عنها الكاتب الراحل الكبير في نوعيات خاصة من أفلامه، ربما يأتي في مقدمتها فيلم «طائر الليل الحزين» الذي أنتج في أواخر السبعينيات من القرن الماضي وقام ببطولته الممثل الكبير محمود مرسي الذي جسد دور القاضي النزيه الذي يتحدى جبروت السُلطة الحاكمة لإنفاذ القانون وتحقيق العدالة وإنصاف المظلومين، وقد اختار كاتب السيناريو شخصية القاضي بالتحديد لتكون محوراً للأحداث كناية عن إيمانه بضرورة أن يكون للقانون الكلمة العليا التي تقطع الطريق على أصحاب المصالح من النفعيين والمتواطئين والفاسدين من ذوي المواقع المهمة في السُلطة الجائرة.
ولأن الشخصيات كلها رمزية والقضية عامة، فمن الصعب أن يُصنف الفيلم على أنه نقد لفترة معينة من حكم مصر، حيث المعاني تنسحب على كل العصور والمراحل، وفي فيلم «البريء» يؤكد وحيد حامد على فكرة الحرية ورفضه للقمع السياسي موضحاً ما بين السطور خطورة الاستبداد والانفراد بالسُلطة من خلال الشخصيات الرئيسية والفرعية كشخصية أحمد سبع الليل التي جسدها أحمد زكي وهو المجند الريفي الساذج الذي استُخدم كأداة للقوة الباطشة في المُعتقل السياسي، وكذلك شخصية الضابط محمود عبد العزيز التي أكدت أن للديكتاتورية ضريبة باهظة يدفعها الحاكم والمحكوم معاً. غير أنه في ذات الفيلم يلفت السيناريست المخضرم النظر إلى حرية الرأي كداعم أساسي للديمقراطية فغيابها كما جاء في سياق الأحداث يمثل أزمة كبرى لمسيرة الشعوب لأن افتقادها هو افتقاد للجوهر الإنساني والفكري والتنويري.
وعلى هذا المنوال وانطلاقاً من هذه القناعات جاءت رسالة فيلم «كشف المستور» للمخرج عاطف الطيب بينة وقوية فالمعنى لدى الكاتب كان دقيقاً أيضاً ولا يحتمل المواربة، فقد أدان بكل شجاعة فترة الحكم البوليسي وأعمال التجسس والحجر على الحريات وإجبار بعض الشخصيات على القيام بأدوار غير لائقة لصالح السُلطة الرمزية التي اعتبرها حامد حاكمة ومتحكمة في مصائر البشر، وهو إلماح ذكي إلى امتهان الإنسان وإهدار كرامته مع التشديد على الرفض الكامل لسياسات التخويف والترويع والإجبار.
ولم يمل وحيد حامد من الإلحاح على فكرة الحرية وفضح المخبوء، حيث كرر تجسيد الصور المشوهة للإنسانية في سياسات التقييد والقمع والتضليل من خلال رؤى تراجيدية شديدة الوقع، فقد كتب فيلم «الراقصة والسياسي» الذي قامت ببطولته نبيلة عبيد ليجدد الشكوى من أساليب الترهيب والترغيب التي تتبعها بعض الأنظمة لإحكام قبضتها على لجام السُلطة الفاشية والاستعانة في ذلك ببعض الشخصيات المُنحرفة والمعلومة لدى الأجهزة الشرطية للحصول على المعلومات المفيدة في مثل هذه الحالات.
وقد ركز الكاتب الراحل في فيلم «معالي الوزير» على نقائص الأنظمة وحيلها في توريط رجالها غير المخلصين، إمعاناً في إعمال مشرط النقد السياسي لأوجه الفساد المختلفة من القاعدة إلى القمة، ولا شك في أن ما أشار إليه الكاتب الكبير هو محض دلالة على شجاعته في الرصد والتحليل وحرصه الشديد على ضرورة تفعيل مبدأ الشفافية عند اختيار من يتولون المناصب القيادية، فهو يدين في الفيلم تواطؤ من ساعدوا رأفت رستم «أحمد زكي» على الوصول إلى مقعد الوزير من دون النظر إلى خطأ تشابه الأسماء وقصور التحريات عن الشخص المشبوه.
وفي فيلم «النوم في العسل» نرى حامد وقد حذر من خطورة السكوت على الوباء الذي أصاب نسبة من أفراد الشعب بالعجز الجنسي، وهو إسقاط غير مباشر على ما يُمكن أن يُصيب المُجتمعات المُهملة والمقهورة من عجز كلي ينتج عنه توقف كامل لحركة الحياة وفقدان الرغبة في فعل أي شيء.
وفي فيلم «اللعب مع الكبار» يذهب الكاتب كذلك إلى تنبيه السُلطة الحاكمة إلى ما يقع من جرائم بعلم أصحاب الحصانة والواصلين من الكبار وكعادته يُفسح للمواطن العادي مساحة واسعة داخل الأحداث الدرامية ليجعله المُرتكز الأساسي لكافة القضايا الكبرى والصغرى وهو اعتبار مهم لقيمة المواطن الإنسانية والاجتماعية والسياسية.
وفي أفلامه الأخرى كـ»طيور الظلام» و«المنسي» و«الغول» و«الإنسان يعيش مرة واحدة» و«سوق المتعة» و«حد السيف» و«الدنيا على جناح يمامة» و«اضحك علشان الصورة تطلع حلوة» و«ديل السمكة» و«غريب في بيتي» و«عمارة يعقوبيان» يضع وحيد حامد الإنسان في قلب التجربة كونه العنصر الرئيسي والمؤثر في كل المُتغيرات من وجهة نظره والواقع علية الفعل بالدرجة الأولى إزاء أي أزمة، ولهذا السبب كان لأفلام الكاتب الكبير الذي تحين ذكرى وفاته هذه الأيام وقعاً خاصاً جداً على الجمهور من كل الفئات، فلم يختلف عليها أحد إلا أصحاب النفوذ والسُلطة الذين كانوا يخشون على أنفسهم ومناصبهم وكراسيهم من ردة الفعل الشعبي فأثروا تقويض مسيرة الكاتب والحد من إنجازه الإبداعي المهم لكن إصراره كان أكبر من محاولاتهم، إذ استطاع أن يقول كلمته برغم العواصف والأتربة فمات وبقي رصيده الوفير من الأعمال السينمائية والدرامية والقليل من القصص القصيرة والمسلسلات الإذاعية موقعا باسمه وصفته وعنوانه.