Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
مراجعات فيلمية

«إلفيس».. أيقونة غنائية في  زمن خاطئ

«سينماتوغراف» ـ لمياء رأفت

قادم من زمن آخر، هكذا كان يبدو إلفيس بريسلي بالنسبة لمعاصريه، بأسلوب غنائي مختلف، وملابس سيحاول الملايين تقليدها لعقود بعد ذلك، وشخصية حار الكثيرون في تفسير أسباب صعودها أو سقوطها حتى اليوم.

وفي 2022، يحاول المخرج باز لورمان إعادة استكشاف تاريخ إلفيس بريسلي وذلك عبر فيلمه المعنون “إلفيس” (Elvis) الذي جاء عرضه الأول في مهرجان “كان” السينمائي الدولي، ثم تجاريا في شهر يونيو الماضي، وشاهدنا فيه توم هانكس في ثوب الشرير، بدور الكولونيل توم باركر الذي كان اليد الخفية التي تحرك تفاصيل حياة إلفيس بريسلي البائسة حتى في عز نجاحها.

تبدأ أحداث فيلم “إلفيس” في مرحلة مبكرة للغاية من مسيرته، عندما يتعرف على الكولونيل توم باركر، رجل التسويق البارع في مجال الترفيه، الذي عمل مع أقل النجوم شأنًا في السيرك المتنقل، منتظرا لموهبة لامعة تغير من حياته، وعبر تسجيل غنائي يكتشف الفتى الذهبي.

صدح إلفيس بصوت قوي، وبأسلوب غنائي يجمع بين موسيقى “البلوز” التي اشتهر بها الأميركيون أصحاب الأصول الأفريقية، والروك أند رول الخاص بالبيض، فحار توم باركر في لونه وهويته، وبحث عنه ليجده شابا خرج للتو من مرحلة المراهقة، قلقا من تقبل الجمهور لغنائه، لكن ما يكاد يعتلي المسرح حتى تتلبسه روح جني تذهب بعقل مستمعيه. وبعقلية رجل الأعمال يحتكر باركر حقوق صوت إلفيس الشاب، ويبدأ في تسويقه ليصبح ملك الغناء في لمح البصر.

كان إلفيس ابنًا لزمن خاطئ، كما لو أنه وُلد قبل أوانه بعقدين أو ثلاثة، فهذا الشاب الذي يغني بطريقة السود لكن ببشرة بيضاء لم يجد لنفسه مكانا بين بني جلدته، فكانوا يرون أن أسلوبه في الغناء والرقص إهانة لعرقه بالكامل، وخطر على قيم الأسرة الأميركية في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، فطالب المجتمع بتدجينه وتقليم أظافره، وكان السلاح هو كلمات الكولونيل باركر الذي رأى أن الاستغلال الأمثل لهذه الدجاجة الذهبية سيكون بالتوافق مع متطلبات السلطات، بتقديم صورة منقحة من شخصية إلفيس وفنه، حتى لو كان هذا سيؤدي لقتل الروح الفنية للشاب قبل الأوان، ليموت وهو في الـ42 كمدا أيا كانت الأسباب المعلنة.

يطرح الفيلم  الكثير من الاحتمالات على المشاهد رغمًا عنه، ماذا لو وُلد إلفيس بعد ذلك بعقدين حتى فقط، في زمن السبعينيات وثورة الشباب، عندما كان العالم أكثر انفتاحا لكل جديد، أو في عصرنا الحالي الذي يتقبل ثقافات الأعراق الأخرى بشكل أفضل نسبيا، ربما في هذه الحالة لكتبت نهاية إلفيس وقصة حياته بشكل مختلف.

في هذا الفيلم لا نتابع قصة إلفيس التي يعرفها الكثيرون من عيون راوٍ عليم خفي، لكن راوينا هو توم باركر نفسه، الذي كان السبب في صعود ثم هبوط إلفيس، نسمع عبر كلماته وجهة نظره الخاصة، التي يبرئ نفسه فيها ككل بشري من ذنوبه، لكن عبر الكاميرا نرى الوجه المظلم من نفس الصورة، قراراته الاستغلالية التي جعلت من إلفيس دمية يحركها في منحنى مَهما صعد فهو هابط.

دور الكولونيل توم باركر يعتبر الشخصية الأقل جاذبية في مسيرة النجم توم هانكس المهنية، ويظهر في الفيلم وهو يشبه حيوانا مخيفا متلاعبا يخفي أظفاره خلف وجه طيب وعيون زرقاء ثاقبة.

وخاض المخرج باز لورمان مخاطرة كبيرة بتقديم الرواية من خلال وجهة نظر الشخص الشرير في الفيلم، لكنها مخاطرة أضفت بعض التجديد على صيغة أفلام “السيرة” المعتادة.

لكن ذلك الفيلم يعكس شكلين مختلفين، أو نغمتين متناقضتين، بين تلك التي تسير في مشاهد السيرة العادية التي ينفرد فيها الممثل “أوستين باتلر” في دور إلفيس، وبين الجانب الآخر الذي يستحوذ عليه الراوي الشرير ويطلعنا على أسبابه وراء هذا الاستنزاف لمواهب نجمه الشاب.

وعبر قطعات المونتاج السريعة للغاية يراقب المشاهد الصعود المدوي لإلفيس بريسلي، ثم تهدأ الأحداث في فترة المنتصف بعد فترة التدجين الوقتية، ثم تزداد السرعة مرة أخرى كلما حاول إلفيس التمرد على هذه القيود التي يضعها حوله مدير أعماله باركر، كما لو أن المونتاج يعبر عن مراحل شخصية البطل، فعندما يأخذه هذيان نجاحه يجعل المشاهد يلهث خلفه، وعندما يتم كبته يصبح الفيلم راكدا مثل مشاعره تجاه نفسه.

مشاهد الأغاني الحية كانت الأكثر إثارة في الفيلم بالتأكيد، حيث صورها المصور السينمائي ماندي ووكر بحركات سريعة تتناسب مع ديناميكية حركات إلفيس بريسلي التي شكلت جزءا مهما من أيقونية صورته، هذا بالإضافة إلى الاستخدام الجريء للألوان والإضاءة وتصميم الإنتاج والأزياء، ما جعل الفيلم يبدو خاطفا للأنفاس حتى أكثر من اللازم في بعض الأحيان، لكن ذلك هو أسلوب المخرج باز لورمان البصري المعتاد، الذي يصفه البعض بأنه قد يكون مميزا أكثر من طريقة تناوله للمواضيع نفسها التي يدور حولها الفيلم.

وعلى الرغم من أن باز لورمان ركز على شخصية “توم هانكس” فإن أداءه الجيد لم يستطع الصمود أمام الأداء الحيوي للممثل أوستن باتلر في دور الشخصية الرئيسية، والذي يعتبر إطلاقا لمواهبه التي احتاجت إلى أن يسلط عليها الضوء بمثل هذه الطريقة، في دور مناسب له تماما.

فيلم “إلفيس” بالتأكيد سيكون من أهم أفلام 2022 وسنجده على قائمة ترشيحات الجوائز بكثرة، سواء في فئات التمثيل أو الجوانب الفنية، لكن الأهم أنه تقديم مثير للاهتمام لشخصية الملك “إلفيس” وبالتأكيد لم يكن ليظهر بهذه الصورة الحيوية لولا أن خلفه مخرجا مختلفا مثل باز لورمان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى