«فينيسيا السينمائي الـ79».. حافل بالأفلام والنجوم والمفآجات
فينيسيا ـ «سينماتوغراف»
بين 31 أغسطس و10 سبتمبر 2022، تُقام الدورة الـ79 لـ”مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي (لا موسترا)”، الذي يحتفل بمرور 90 عاماً على تأسيسه (1932، علماً أنّ هناك دوراتٍ تعطّلت أو تأجّلت بسبب الحرب العالمية الثانية، بين عامي 1939 و1945). برنامجٌ واعد وحافل ومُتشعّب وغنيّ، يضمّ 23 فيلماً في المسابقة الرئيسية، بزيادة فيلمين عن البرمجة المُعتادة، و10 أفلام خارج المسابقة، روائية ووثائقية، بالإضافة إلى مُسلسلين.
عاماً تلو آخر، يُؤكّد “مهرجان فينيسيا” على حقيقة قوة أفلامه وثرائها وفنّيتها. أفلامٌ مُنفتحة على كافة الاتجاهات والتجارب والتصنيفات، بلا شروط تقريباً. كما تتميّز اختياراته بالتحرّر كثيراً من التبعات المُرتبطة ببلدان وشركات إنتاج وتوزيع معيّنة، وأيضاً بالتحرّر من ضرورة عرض أفلام إيطالية كثيرة في مُختلف الفعاليات. ما أدّى، في الأعوام الفائتة، إلى تنوّع ملموس في اختيار الأفلام، وفي مستوياتها الرفيعة.
المُلاحظ أيضاً أن هناك وفرة مُتزايدة في الأفلام الجذّابة، في مختلف الأقسام، وحرصاً أكبر من النجوم العالميين على حضور المهرجان. في الأعوام الأخيرة، تأكّدت القوّة اللافتة للانتباه، لفيلم الافتتاح، أهمية وعمقاً وفنيات، مُقارنة بأفلام الافتتاح في المهرجانات الكبرى الأخرى. لكنْ، هل سيتأكّد الأمر أكثر، مع فيلم الافتتاح المُنتظر في دورة هذا العام، “ضوضاء بيضاء” (White Noise)، للأميركي نواه بومباخ (Noah Baumbach)؟ سينجلي الأمر قريباً.
بخلاف حرصه الدائم على التطوير السنوي لأقسامه وفعالياته، وأماكن عروض الأفلام، والخدمات المُقدَّمة للضيوف والصحافيين والنقّاد، يجهد “مهرجان فينيسيا”، من عامٍ إلى آخر، في جلب أسماء لامعة كثيرة في صناعة السينما، نجوماً ومُخرجين. من بين كبار هؤلاء، المعروضة أفلامهم في مختلف الأقسام، هناك أليخاندرو غونزاليس إيناريتو، ودارين أرونوفسكي، وجياني إميليو، وتود فيلد، وجوانا هوغ، ولوكا غوادنينو، وفلوريان زَلِر، وولتر هيل، وبول شريدر، وكيم كي دوك، ولاف دياز، وسيرغي لوزنيتسا، ولارس فون ترير، وآخرون. أمّا أكبر المخرجين سنّاً، فهو فريدريك وايزمان (92 عاماً)، بفيلمه الفرنسي الأخير “ثنائي (Un Couple)”.
من أبرز النجوم والنجمات، هناك جوليان مور، رئيسة لجنة تحكيم المسابقة الرئيسية، وكيت بلانشيت، بطلة “تار” لتود فيلد، وتيلدا سوينتن في “الابنة الأبدية” لجوانا هوغ، وبينلوبي كروز في “الوحوش” لإيمانويل كرياليزي، والممثلة الشابة آنا دي أرماس في دور مارلين مونرو، في “شقراء” لأندرو دومينيك. هناك أيضاً آدام درايفر وتيمثوي شيالامت، الأول في “ضوضاء بيضاء”، والثاني في “بونز والجميع” للوكا غوادنينو. بالإضافة إلى وليم ديفو وكريستوف فالتز في “ميت لأجل دولار” لوالتر هيل، وكايسي آفلك في “الحلم بجنون” لبيل بولاد.
تحضر في المسابقة الرئيسية أسماء عدّة لمخرجين فائزين بجوائز، بينهم عددٌ لا بأس به من الأميركيين. ذلك أنّ ثلث أفلام المسابقة تقريباً أميركي، أو ذات إنتاج مُشترك مع أميركا. الحضور الأميركي اللافت يُدشّنه فيلم الافتتاح، “ضوضاء بيضاء”، في عودة لمخرجه إلى “مهرجان فينيسيا” بعد ثلاثة أعوام من تقديمه “قصّة زواج”. جديده (إنتاج “نتفليكس”، تمثيل آدم درايفر وغريتا غرويك ودون شيدل)، ينتمي إلى أفلام الرعب، مع لمسات غنائية، وتغلب عليه الكوميديا السوداء. مُقتبس من رواية بالعنوان نفسه (1985) للكاتب الأميركي دون دليلّو. يدور العمل حول أستاذ جامعي، وأب لأربعة أولاد، يتلقّى صدمة كبيرة عندما تنتشر مُخلّفات كيميائية في بلدته، نتيجة حادث قطار، ما يطرح أسئلة كثيرة عن الصراعات اليومية، وألغاز الحياة، كالحبّ والموت والسعادة، في ظلّ انعدام اليقين.
من الأفلام الأميركية، أيضاً، “شقراء” للنيوزيلاندي أندرو دومينيك، يروي سيرة مارلين مونرو في 166 دقيقة. مُقتبس من رواية بالعنوان نفسه (2000)، للأديبة جويس كارول أوتيس. يطرح العمل تساؤلاً عن “الجديد” الذي سيُقدّمه بخصوص حياة الأيقونة الشقراء، وأسطورتها ورحيلها؛ و”الحوت” للأميركي دارين أرونوفسكي، الفائز بـ”الأسد الذهبي” قبل 14 عاماً عن “المصارع”، والحاضر باستمرار في “فينيسيا”: قصة رجل في منتصف العمر، يزن 272 كيلوغراماً، ويحاول تجديد العلاقة مع ابنته المُراهقة، بعد سنين من تخلّيه عن عائلته، ليعيش مع عشيقه مثلي الجنس. كذلك، يعود الأميركي المُخضرم فريدريك وايزمان، الفائز بجائزة “الأسد الذهبي الفخري” عام 2014، بجديده “ثُنائي”، مُقدّماً فيه (63 دقيقة) مُقاربةً للعلاقة التي جمعت الأديب ليو تولستوي بزوجته صوفيا.
بعد توقّفٍ دام سبعة أعوام، يعود المكسيكي أليخاندرو غونزاليس إينياريتو بملحمة كوميدية، بعنوان “باردو أو يوميات مُزيّفة عن حفنة حقائق”، التي تُعيده إلى أصوله المكسيكية، بعد أفلامٍ عدّة أنجزها باللغة الإنكليزية في أميركا، مع ممثلين أميركيين. يدور فيلمه الجديد حول صحافي مكسيكي شهير يعود إلى بلده، بعد غياب طويل، ليجد نفسه إزاء تغيّرات كبرى، ويواجه جذوره وعائلته وبلده.
كالمُعتاد، تشارك في المسابقة الرئيسية ثلاثة أفلام إيطالية الإنتاج: “كيارا” لسوزانا نيكياريلّي، و”العظمة” لإيمانويلي كرياليزي، و “سيد النمل” لجياني أميليو. كما يُشارك مخرجان إيطاليان في المسابقة نفسها، لكنْ بفيلمين أميركيين، إنتاجًا ولغة: لوكا غوادنينو مع “عظام وكلّ شيء”، وأندريا بالاورو مع “مونيكا”.
السينما الإيرانية، الموجودة دائماً في المهرجانات كلّها، حاضرةٌ بفيلمين في المُسابقة أيضاً: “لا دببة” لجعفر باناهي، الممنوع من السفر، والمحكوم عليه مُؤخّراً بالسجن سبعة أعوام، و”وراء الجدار” لوحيد جليلفاند. أما المُشاركة الثالثة للسينما الإيرانية، ففي قسم “آفاق”، و”الحرب العالمية الثالثة” لحومان سائدي.
في خارج المُسابقة، تحضر أسماء كبيرة أيضاً: الأميركي بول شرايدر مع “البُستاني الرئيسي”، والفيليبيني لاف دياز، الفائز بـ”الأسد الذهبي 2016″، مع “عندما تنحسر الأمواج”.
هناك “نداء الرب”، آخر أفلام الكوري الجنوبي كيم كي دوك، الراحل قبل عامين بعد إصابته بكورونا. من أبرز المُخرجين الوثائقيين، المعروضة أفلامهم خارج المُسابقة، هناك الأوكراني سيرغي لوزنيتسا مع “مُحاكمة كييف”، والإيطالي جيانفرنكو روزي مع “مُسافر”، والأميركي أوليفر ستون مع “نووي”.
إلى أفلام خارج المُسابقة، هناك مسلسلان قصيران، الأول بعنوان “الخروج” (5 حلقات) للدنماركي لارس فون ترير، والثاني بعنوان “كاوبوي كوبنهاغن” (6 حلقات) لمواطنه نيكولاس فايندنغ ريفن.
أما قسم “آفاق”، التظاهرة الكبرى المُوازية للمسابقة الرئيسية، وقسم “آفاق إكسترا أو امتداد آفاق” المُستحدث مُؤخّراً، فيعرضان 27 فيلماً، 18 في القسم الأول، وتسعة في الثاني، أغلبها لمخرجين يقدّمون أعمالاً أولى أو ثانية لهم، تستحق المُتابعة والاكتشاف.
يُذكر أنّ فيلم الختام سيكون “الشمس المُعلّقة”، للإيطالي فرانشيسكو كاروتزيني (خارج المُسابقة): حكاية قاتل مُحترف، يهرب من الذين يُوظّفونه كمجرم، ويلجأ إلى قرية بعيدة، بحثاً عن أمان وحرية.
بالنسبة إلى المشاركة العربية، معظمها في الأقسام الفرعية. وهذه الأفلام ليست عربية كلّياً بالضرورة، فالتمويل والإنتاج آتيان من مُؤسسات أوروبية. أولها “روابطنا”، للممثل والمخرج الفرنسي، الجزائري الأصل، رشدي زم (تمثيل سامي بوعجيلة والمخرج رشيد بوشارب)، المُشارك في المُسابقة الرئيسية: تباينٌ بين شقيقين، أحدهما رقيق يلتزم رعاية والده، والآخر إعلامي مرموق، وباردٌ وأناني ومُبتعد عنهما، ما يجعله عُرضة لانتقاد من حوله.
في “آفاق”، يُقدّم الممثل والمخرج رشيد حامي “من أجل فرنسا” (تمثيل لبنى أزابال وكريم لكلو وسليمان دازي): وفاة ضابط شرطة شاب، جزائري الأصل، في حفلة تخرّج من مدرسة عسكرية فرنسية، ما يضطر شقيقه الأكبر لتولّي الأمور. هناك فيلمٌ مصري قصير بعنوان “صديقتي”، لكوثر يونس، في “آفاق للأفلام القصيرة”، الذي يضمّ 12 فيلماً.
في التظاهرة الجديدة “آفاق إكسترا أو امتداد آفاق”، تشارك السورية سؤدد كعدان بفيلمها الروائي الثاني “نزوح”، الذي تدور أحداثه، كفيلمها السابق “يوم أضعت ظلّي” (2018)، حول الحرب والأوضاع غير المُستقرة في سورية. يتردّد ربّ أسرة في الانصياع لرغبة زوجته وابنته في الرحيل عن البلد، إذْ يرفض بشدّة حياة اللجوء. في التظاهرة نفسها، يُشارك العراقي أحمد ياسين الدرادجي بفيلمه الروائي الأول “حدائق مُعلّقة”: صبي فقير يعثر، في مكبّ ضخم للنفايات، على دمية بشرية كبيرة على شكل أنثى، فيُفتن بها، ما يجلب عليه مشاكل ومصاعب كثيرة.
تُختتم تظاهرة “أسبوع النقاد” دورتها الـ37 بفيلم مغربي، خارج المُسابقة، بعنوان “مَلِكات”، الروائي الأول لياسمين بن كيران: مُطاردة الشرطة لـ3 فتيات عبر وديان وجبال مُطلة على ساحل المحيط الأطلسي، وصولاً إلى جنوب المغرب.
أما تظاهرة “أيام المُؤلّفين”، التي تأسّست عام 2004 بفضل “جمعية المُؤلّفين السينمائيين والمُنتجين المُستقلّين”، فتفتتح مُسابقتها الـ19 بالفيلم اللبناني “حديد نحاس وبطاريات” لوسام شرف: قصة حب مُستحيل بين لاجئ سوري ولاجئة إثيوبية شابة، وبحثهما عن الحُرية والأمان. الفيلم الجزائري “الأخيرة” أو “الملكة الأخيرة”، أول روائي لعديلة بن ديمراد وداميان أونوري، تدور أحداثه في القرن الـ16، في فترة تحوّل عصيب في تاريخ الجزائر، مع السنوات الأولى للتواجد العثمائي فيها، وبدايات الغزو الإسباني لبعض مدنها. هناك أيضاً فيلم مغربي بعنوان “الملعونون لا يبكون” لفيصل بوليفا، يتناول رحلة أمّ وابنها في سفر طويل عبر بلدٍ تُمزّقه الاختلافات الاجتماعية والاقتصادية، ما ينعكس على العلاقة شبه المبتورة أو غير الموجودة أصلاً بينهما.