«قرية بلا أطفال» السينما الإيرانية تعزف على مقام الإنسان
جدة ـ عبدالستار ناجي
بكثير من البساطة والعفوية، وبكثير من العمق والاختزال يعزف الفيلم الإيراني «قرية بلا أطفال» على مقام الإنسان وقضاياه ونبضه بلا تكلف وبلا صيغ سينمائية تقليدية معلبه.. كل ما هناك (كادر عرض) يغطي مساحة كبيرة تجمع المكان تاره والشخوص تارات أخري.
الحكاية باختصار شديد أن المخرج الكهل «كاظم» كان قد انجز فيلماً قبل عشرين عاماً عن إحدي القري يستقصي من خلاله ويحلل ظاهرة غياب الأطفال عن قريته، وخوفاً من أي نتائج سلبية من قبل نساء القرية في ذلك الوقت، يقمن بسرقة نسخة الفيلم وحرقها، مما يجعل الحقيقة تغيب، فيعتقد الجميع أن النساء عاقرات فيقوم عدد من الرجال بتطليق زواجتهن، والزواج من أخريات كثيرات بحثاً عن الأطفال.
يقرر المخرج «كاظم» أن يعود إلى قريته النائية وإجراء تحليل طبي لجميع الرجال من مبدأ رغبته في إنصاف النساء اللواتى تعرضن للظلم في ذلك الوقت البعيد، وبعد محاولات جهيدة في إقناع نساء القرية في العودة للوقوف أمام الكاميرا ومن قبلها تشكيل فريق يساعده في التصوير وتعليمه أوليات العمل السينمائي تمضي أحداث ذلك الفيلم الذى يأسرنا بعذوبته وشخوصه وقضاياهم الاجتماعية.
سينما من نوع مختلف هي السينما الإيرانية تأتى دائماً مقرونه بقضايا الإنسان والمجتمع دون أي إقحامات سياسية أو اقتصادية أو حتي دينية إلا أن الفيلم بل النسبة الأكبر من نتاجات السينما الإيرانية تشتغل على ذلك النهج الذي يستحضر السياسة بلا بوح، ويعلن الموقف الصريح من كل شي حتى الدين دونما تصريح. كل الشخوص وكل الأحداث هي اتهامات صريحة لسطوة الرجل والمجتمع والتقاليد الاجتماعية والموروثات الدينية.. سينما رائعة تلك التى يقدمها لنا المخرج رضا جمالي وهو فيلمه الثاني بعد «كبار السن لا يموتون» 2019 والذى فاز عنه بجائزة «روح آسيا» في مهرجان طوكيو السينمائي .
فيلم «قرية بلا أطفال» هو امتداد لمسيرة سينمائية طويلة وجدت طريقها للعالمية عبر أعمال مخرجين كبار عظام (عباس كيروستامي، محسن مخملباف، جعفر بناهي، أصغر فرهادي، وسميرة مخملباف)، وتطول القائمة وأيضاً إبداعاتها التى راحت تحقق الحضور اللافت بالأسلوب الموارب في العرض البعيد عن المواجهة والتصريح .
وفي فيلم «قرية بلا أطفال» كتابة سينمائية شديد الذكاء والدقة تستوعب كافة القضايا بالذات فيما يخص الدفاع عن المرأة والقهر الذى تتعرض له أمام سطوة الرجل والأسرة والمجتمع والتقاليد .
فيلم ساحر كلما اقتربت منه تكشف أمامك ذلك الموزاييك الثري من القضايا والموضوعات التي يتعرض لها، حيث لكل امرأة حكاية بل حكايات اختصارها القهر والألم والمعاناة والتعسف الذكوري الذي ترسخة الأسرة ويباركة المجتمع والدين. وفي المشهد الأخير وكما قام النساء في الجزء الأول بسرقة الفيلم يقوم الرجال بسرقة الكاميرا والهروب بها خوفاً من الفضحية والمجتمع..
سخرية عالية وسينما تدهشنا بتفاصيلها وجزئياتها ومساحة الكوميدية المكتوبة بعناية، والتى تمتاز بالعفوية والذكاء الشديد من قبل الممثل الإراني «حمد الله سليم» بشخصية مساعد المخرج.
فيلم لا يفارقك.. بل نستطيع التأكيد بأن هذا العمل سيذهب إلى آفاق بعيدة حيث الخلود في ذاكرة السينما والنقاد سنوات ولربما أجيال .. ويبقي أن نقول .. نتاج سينمائي جديد للسينما الإيرانية يظل هاجسه الانسان ومن هنا تأتي الأهمية.