«سبّق الخير».. فيلم تونسي يعيد قراءة الواقع وينتقد الأوضاع الراهنة
تونس ـ «سينماتوغراف»
في خطوة لا تحدث دائما في تونس، اجتمع أقطاب الكوميديا في الساحة الثقافية والفنية حاليا، ليقدموا فيلما سينمائيا كوميديا يسخر من الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في تونس ويسلط نحوها سهام نقده اللاذع.
يحمل الفيلم عنوان “سبّق الخير” (تفاءل خيرا) وهو فيلم كوميدي من إخراج قيس شقير وقصة سيناريو وحوار زين العابدين المستوري وقيس شقير وبديس السافي وأحمد الصيد إنتاج مجمع القوبنطيني، وهو من بطولة كمال التواتي ولطفي العبدلي وكريم الغربي ورشا بن معاوية.
ويجمع الفيلم لأول مرة كمال التواتي ولطفي العبدلي وكريم الغربي ورياض النهدي ولطفي بندقة، وهم من الممثلين المعروفين بتخصصهم في “الفكاهة” والإضحاك في تونس، إلى جانب ثلة من النجوم التونسيين الآخرين ومنهم الإعلامي عبدالرزاق الشابي الذي يظهر لأول مرة في فيلم سينمائي، إلى جانب فاطمة بن سعيدان وفتحي العكاري وكوثر بلحاج وسفيان الداهش وعبدالحميد قياس وجمال مداني وإكرام عزوز ووليد الزين ومنيرة الزكراوي وريم عياد وحكيم بالكحلة والطفل يوسف قبلاوي.
وانطلق الأربعاء عرض الفيلم الذي تقول شركة انتاجه إنه فيلم “عائلي” بكافة صالات العرض السينمائية التونسية، بعد أن استقبلت قاعة سينما الكوليزي بالعاصمة تونس العرض الأول الذي حرص الفريق التقني والفني على حضوره وذلك قبل يوم واحد من إتاحته للجمهور بمختلف صالات العرض.
ويلعب لطفي العبدلي دور سارق ورئيس عصابة اسمه ‘ياسر عاقل’ في حين كريم الغربي شاب بسيط يدعى “الباهي سبق الخير” أما كمال التواتي فيلعب دور رئيس الحكومة التونسية.
وتتركز أحداث الفيلم حول “الباهي سبّق الخير” و”ياسر عاقل” اللذين يلتقيان في السجن بسبب سوء حظهما، فتجمع بينهما علاقة صداقة تتطور حين يكتشفان عن طريق ساحر سجين معهما أنهما يتمتعان بقدرة “خارقة” تمكنهما من العثور على خارطة ستقودهما إلى كنز كبير سيجعلهما يتخلصان من براثن الفقر ومن سوء الطالع، إلا أنه أثناء بحثهما عن أجزاء الخارطة يتفطن رئيس الحكومة لأمرهما فيحاول الحصول على كنزهما لإنعاش خزينة الدولة وحتى لا تتم الإطاحة بحكومته.
وفي رحلة البحث عن الكنز تتواتر المشاهد في قالب كوميدي ساخر وينجح أبطال العمل في صنع الضحكة الصادقة بعيدا عن كل مظاهر الابتذال والتهريج. ويمكن القول إن شقير نجح في رهانه على العبدلي والغربي اللذين شكلا ثنائيا رائعا صنع الضحكة ونجح في نقد الواقع التونسي بأسلوب ساخر.واستطاع العمل السينمائي منذ عرضه الأول، شد مشاهديه بأجواء فكاهية نجحت في رسم الضحكة على وجوه الحضور لنحو الساعتين وهو ما ينعش التوقعات بأن يحقق في فترة قصيرة أرقاما قياسية في قائمة الأفلام المعروضة في شباك التذاكر، وما يدعمه في تحقيق النجاح هو افتقار السينما التونسية للأعمال الكوميدية، حيث أن أغلب الأعمال التي قدمت على مدار السنوات والعقود الماضية إن لم يكن مجملها، كانت تراجيدية، يميل بعضها نحو الخيال والرعب وأبرز من نجح في ذلك المخرج الشاب عبدالحميد بوشناق.
ونجح صانعو “سبّق الخير” في تقديم عمل جمع بين الكوميديا والنقد لضغوط الأوضاع الراهنة في البلاد، لكن يحسب له أيضا أنه جمع نجوم الكوميديا في تونس، الذين لم يجتمعوا في أعمال سينمائية سابقة، وظلوا على مدى سنوات أشد المتنافسين على مستوى ما يقدمونه من أعمال مسرحية كوميدية، انحازت في أغلبها إلى “الوان مان شو”.
وسبق أن اجتمع التواتي والعبدلي وبعض الممثلين المشاركين في الفيلم في سلسلة تلفزيونية هزلية تسخر من الأمن، بعنوان “بوليس حالة عادية” ولاقت السلسلة التي عرضت لثلاثة مواسم رمضانية رواجا كبيرا.
وفيما يعد التواتي من بين الممثلين الأكثر شعبية في تونس، حيث أدى دور أحد الأبطال الرئيسيين في السلسلة التلفزيونية الرمضانية الأكثر رواجا “شوفلي حل”، والتي حجزت له مكانا في ذاكرة التونسيين، يعد العبدلي أحد الممثلين الشباب الذي استطاع على مر سنوات قليلة أن يصنع له مكانة في الساحة الفنية والإعلامية في تونس، حيث يستغل موهبته في الكوميديا والإضحاك في أعمال مسرحية وتلفزيونية وحتى برامج إعلامية.
وتميّزت أحداث الفيلم الذي جمع بين مواهب وقدرات على قدر عال من التنافس والتكامل، بأسلوب الإضحاك، وهو تقنية اختارها صنّاع الفيلم لرسم البسمة على وجوه الحاضرين وإخراجهم لبرهة من الزمن من عالمهم اليومي الروتيني والمليء بالأزمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
أما الوظيفة الثانية لتقنية الإضحاك فكانت معالجة مجموعة من القضايا وتسليط الضوء عليها كالفساد السياسي والتشدد الديني والتفكك الأسري وأهمها غياب ثقافة العمل، ولهذا كانت مرتكزات الفيلم على تقنية السخرية السوداء بما هي مفارقة عجيبة بين الواقع والخيال والموجود والمنشود.
أما الأحداث في تسلسلها، فلم تخل بدورها من التشويق والإثارة والمفاجآت، فساهمت في تصاعد إيقاع الفيلم نحو رحلة البحث عن الكنز الذي يأمل الباحثون عنه في تغيير واقع البلاد نحو الازدهار والتقدم.
ولم يسقط فيلم “سبّق الخير” في الابتذال والمشاهد والحوارات المقتبسة من مواقع التواصل الاجتماعي، بل حاول نقد الواقع التونسي بأسلوب ساخر وبسيط دون كليشيهات مبالغ فيها.والطريف في هذا الفيلم أنّ صناعه لم يقدّموا الشعب على أنه ضحية لصراع الطبقة السياسية، بل هو المسؤول عن جزء من الأوضاع التي آلت إليها البلاد منذ سنة 2011، فالشخصيتان “الباهي سبق الخير” و”ياسر العاقل” هما صورة للمجتمع التونسي الباحث عن بلوغ الرفاه ورغد العيش دون تعب أو كلل ودون توفر أدنى مقومات ثقافة العمل، والأمر نفسه بالنسبة إلى الحكومة التي بدت، وفق أحداث الفيلم، متكاسلة ومتقاعسة في أداء واجباتها تجاه الشعب، إذ بدل البحث عن حلول جدية لإنقاذ البلاد، فهي تنتظر إيجاد الكنز لتحقيق مطالب المواطنين.