المخرج الكردي مانو خليل: «طعم العسل» دعوة للحب والتسامح
خاص ـ «سينماتوغراف»
اليوم وبعد ان انفتح العالم على مصراعيه من خلال الإعلام بقيت مهمة الأكراد فنيا وسياسيا ان يظهروا للعالم بأنهم ليسوا أقل انسانية من الآخرين، وبالفعل استطاعت السينما الكردية أن تعبر عن ذلك وتؤكده، وبرزت خلال السنوات الأخيرة اسماء عديده من صناع الأفلام الأكراد منهم مانو خليل، الذي حقق نحو أربعة عشر فيلما، منها «طعم العسل» الذي توقفت أمامه «سينماتوغراف»، وفتحت من خلاله حوارا مع المخرج مانو خليل حول ماهية السينما الكردية، وهويتها، ورسائل أفلامه، وجديده الذي يستعد له، وكان معه اللقاء التالي:
كيف تعبر من خلال أعمالك عن الهوية والتراث الكردي؟
ـ أنا من شعب عنده قضية ومظلوم، واضطررت لترك وطني بجرم لم أقترفه، لأنني ولدت لأم وأب أكراد، علموني أن التفاحة اسمها «سيف» وأن الخبز اسمه «نال»، لكن كل هذه الكلمات إذا ذكرتها في المدرسة كنت أضرب، فالتفاح: تفاح، والخبز: خبز، وممنوع ذكر أي كلمة كردية، والشعب الكردي يعيش على أرضه منذ آلاف السنين، قسمت أرضه كما كل البلاد العربية باتفاقية سايكس بيكو، على أربع دول، ومورست فيه فظاعات من قبل بعض الحكومات، وليس الشعوب، ولذلك كانت المسائل دائما ايديولوجية من الأنظمة التي تحاول اضطهاد هذا الشعب وطمس هويته، ولم يكن هناك بديل سوى استخدام لغة السينما للتعبير عن هويتنا وتراثنا، بدلا من لغة البنادق التي هي لغة الموت.
هل تعتقد أنك من خلال السينما، أثرت وخدمت قضيتك؟
ـ هناك عدة طرق للنضال، وأنا أحاول أن أثبت وجودي للآخرين من خلال السينما، وأعتقد أني والحمد لله نجحت في هذا، ويكفيني مثلا أن يعرض فيلمي وأتناقش فيه مع الناس، أفتح مجالات للحديث عن قضية الشعب الكردي، وقد عرض الفيلم في سويسرا ونال استحسان المشاهدين، وحصد جائزة مؤخرا في مهرجان بسويسرا وكتبت عنه الصحافة أيضا، وبلا شك هو يخدم القضية، بل أيضا يعطيني المجال لأثبت وجودي كشخص بطريقة حضارية، فأنا أؤمن بالحوار بين الناس، فرب العالمين أعطانا اللسان لنتفاهم مع بعض.
لماذا تميل في معظم أعمالك إلي الشكل الوثائقي؟
ـ هذا النوع السينمائي يتناسب مع القضايا التي اطرحها، لاسيما وان تكلفة الوثائقي أقل مما يكلفه الفيلم الروائي الطويل، خصوصا أن تمويل معظم أفلامي جاء من التلفزيون السويسري الذي يعرضها، وبالطبع هذا الأمر يسهل لي الحصول على تمويل لمشاريعي المقبلة، ناهيك عن أن صالات العرض السويسرية ترحب، بدورها، بعرض تلك النوعية من الأفلام.
من خلال الأفلام العديدة التي ظهرت في السنوات الأخيرة وعرضت في أكثر من مهرجان، هل يمكن القول بأن هناك ملامح سينما كردية بدأت في تأكيد وجودها؟
ـ يعترض مانو خليل على تعبير السينما الكردية، ويقول: السينما لغة فنية سامية، وعندما نقول سينما ايطالية فإننا نعني بذلك عظماء أوجدوا طريقة في التعبير السينمائي لم تكن موجودة في السابق مثل دي سيكا، الأخوة تافياني، فللييني، روسيليني، بازوليني، ونقول أيضا سينما فرنسية لأنها طورت طرق التعبير الفني منذ البدايات بأعمال مختلفة بدءا من رينيه كلير وبونويل وآخرين مرورا بالموجة الفرنسية الجديدة على يد فرانسوا تروفو، ونقول سينما سويدية لان انغمار بيرغمان فتح شباكا للتذاكر في «السماء السابعة»، وهكذا نقول سينما أميركية وروسية، أما الشعب الكردي فهو لوقت قريب كان مضطهدا وثقافته مغيبة ومهملة، ولغته محاصرة، لذلك نحن نرى تجارب فردية متفاوتة، وبعضها يحقق نجاحات في مهرجانات سينمائية عالمية، لكن ذلك لا يعني وجود سينما كردية لها هويتها الواضحة حتى الآن.
كيف ترى فيلمك «طعم العسل»، وما الرسالة التي قصدت التأثير بها على المشاهد؟
ـ ابسط إجابه هي ما قالته لجنة تحكيم مهرجان «سولوثورن» في سويسرا، والتي عللت إعطاء الجائزة الكبرى لفيلم «طعم العسل» لبعض الاسباب منها، «بالرغم من كل المآسي التي اصابت الشخصية الرئيسية في الفيلم، فانه يملك طاقة مذهلة من التفاؤل والايجابية بدون أن يصبح بمثابة محكمه تصدر الحكم على من هو الظالم ومن هو المظلوم، المعتدي والضحية، بل على العكس ان نظرة الفيلم المليئة بالإنسانية وحب الحياة هو الموضوع الاساسي في هذا الفيلم وحبكته الدرامية»، ويضيف مانو خليل: «إن الفيلم يمتلك قدرة هائلة على حب الانسان للإنسان والتفاؤل، والتعايش المشترك والاحترام المتبادل بين البشر، حيث تختفي من بين ثنايا الفيلم أي رغبة أو إحساس بالحقد او الضغينة والثأر، إنه فيلم عن الحب والتسامح».
لماذا تعمدت استخدام «الدوكودراما» كأسلوب في هذا الفيلم؟
ـ لأن حكاية «طعم العسل» تملي آلية سرده، وطريقة سرد الفيلم كانت بصوت الشخصية التي يوثق لها، لكن كـ «فويس أوفر»، حيث نشاهد أمامنا حياته وتنقلاته بينما يسرد لنا بصوته دون حوار أو لقاءات ما نراه.
في النهاية، ما الذي يفعله النحال بطل الفيلم حاليا في سويسرا؟
ـ عاد إلى تربية النحل، رغم أن هذا العمل يعتبر هواية في سويسرا، وتلقى من الحكومة السويسرية 3 آلاف فرانك لشراء أثاث لشقته واخذ هذا المبلغ وأشتري به نحللا ليستخرج المزيد من العسل ويعيش حاليا في جبال الألب، محاطا بمجموعة من الأصدقاء السويسريين، وهو يتواصل معهم بالإشارة لكونه لا يعرف اللغة السويسرية.
فيلموغرافيا
مانو خليل مخرج كردي درس التاريخ والحقوق في جامعة دمشق وتعلم الاخراج السينمائي في تشيكوسلوفاكيا وهو مقيم منذ العام 1996 في سويسرا، وأخرج حتى الآن 14 فيلما، منها «هناك حيث تنام الآلهة» (1993)، «انتصار جديد» (1998)، «أحلام ملونة» عام 2003 ، «الأنفال» (2005)، «دايفيد توليهلدان» (2006)، و«زنزانتي بيتي» (2009)، و «طعم العسل» (2013)، وينهي حاليا فيلم روائي جديد تحت عنوان «السنونو»، وهو يروي عودة شابة من سويسرا إلى كردستان للبحث عن والده بعد ثلاثين سنة على مفارقتها إياه.
زووم إن
يتناول فيلم «طعم العسل» حياة مربي نحل كردي من كردستان تركيا، فقد كل شيء في اتون الحرب الدائرة في كردستان تركيا بعد أن كان واحدا من أكبر منتجي النحل في تركيا وكردستان، ليخسر ليس فقط نحله وأملاكه بل زوجته وأطفاله، ويصبح مطاردا في الجبال الى أن يصل به الحظ الى سويسرا كلاجئ، ويبدأ من جديد بتربية النحل، ولكن هذه المرة في جبال الالب.