في ذكرى رحيله : أفلام مصرية مهدت طريق عمر الشريف الى السينما العالمية
«سينماتوغراف» ـ انتصار دردير
لم يكن «ديمترى شهلوب» تاجر الأخشاب اللبنانى الذى استقر به المقام بالاسكندرية منتصف القرن الماضى يحلم لابنه «شهلوب» بأكثر من أن ينهى دراسته ويساعده فى تجارته، لكن الصبى الصغير كانت كل أحلامه تقذف به الى شاطئ التمثيل، ونجح – وهو دون الخامسة عشر من عمره- أن يلفت أنظار زملائه وأساتذته بكلية فيكتوريا الى موهبته المبكرة بعد أن قدم على المسرح المدرسى عديد من التجارب الناجحة، وخلال سنوات قليلة، كان قد حقق نجومية كبيرة، جعلته ينطلق بموهبته من المحلية الى العالمية، وأصبح «عمر الشريف» النجم العربى الوحيد الذى استطاع أن يحقق العالمية من خلال احترافه فى هوليوود.
ولد عمر الشريف بالاسكندرية يوم «10 ابريل من عام 1932» (ونحتفي اليوم بذكرى رحيله عن عالمنا في مثل هذا اليوم من عام 2015) حيث ينتمى لأسرة كاثوليكية ووالدته من أصل لبنانى سورى.
الفرصة الأولى التى يقف البعض فى انتظارها لسنوات، جاءت لعمر الشريف على طبق من ذهب حين إختاره المخرج يوسف شاهين، الذى جمعته به سنوات الدراسة فى كلية فيكتوريا، ليلعب بطولة فيلم «صراع فى الوادى» أمام فاتن حمامة وكانت احدى أهم نجمات السينما، وقد اعترضت على أن يلعب بطولة الفيلم أمامها الفنان شكرى سرحان وحينما عرض عليها المخرج يوسف شاهين البطل الجديد والتقته وافقت على اسناد دور البطولة له، برغم ارتباكه الواضح أمامها فقد كان خائفا ومترددا، إذ كانت الفرصة أكبر مما يحلم، فبطلة الفيلم النجمة الشابة تمتلك موهبة وحضور وشهرة ذائعة الصيت وجماهيرية كبيرة .
المفاجأة التى أذهلت يوسف شاهين
وبدأ تصوير الفيلم الذى كتب قصته المخرج حلمى حليم وكتب له السيناريو والحوار السيد بدير وأخرجه يوسف شاهين من انتاج جبرائيل تلحمى، وشارك فى بطولته ذكى رستم وفريد شوفى وأدى فيه عمر الشريف شخصية المهندس الزراعى أحمد ابن ناظر الزراعة الذى يساعد الفلاحين على تحسين نوعية القصب الذى يزرعونه، وينجح فى ذلك مما يثير غضب الباشا الاقطاعى، ويدفعه لاغراق مزروعاتهم بمساعدة ابن شقيقه، ويتهم صابر والد أحمد فى هذه الجريمة ويحاول أحمد المرتبط بعلاقة عاطفية مع آمال ابنة الباشا اثبات براءة والده لكنه يفشل فى ذلك ويتم اعدام صابر، وأثناء تصوير الفيلم كان عمر الشريف قد وقع فى غرام فاتن حمامة، واعترف لها بحبه الجارف نحوها وخلال تصوير آخر مشهد وقعت مفاجأة أذهلت فريق العمل، فقد كان المشهد يتضمن إصابة عمر الشريف بطلق نارى، فيسقط على ظهره وينزف، فتقوم فاتن حمامة لتحتضنه، وهنا خرجت البطلة عن السيناريو لتقبله قبلة طويلة تؤكد قصة الحب التى ولدت مع الفيلم، ويتم زواجهما بعد أن أشهر اسلامه وانفصلت هى عن زوجها المخرج عز الدين ذوالفقار والد ابنتها نادية.
ستة أفلام مع فاتن
عقب النجاح الذى حققه فيلم «صراع فى الوادى» تقاسم عمر وفاتن بطولة خمسة أفلام ناجحة ففى عام 1955 قدما فيلم «أيامنا الحلوة» أمام أحمد رمزى وعبدالحليم حافظ فى أول أفلامه المعروضة جماهيريا واخراج حلمى حليم، ودارت أحداثه من خلال ثلاثة أصدقاء فى المرحلة الجامعية يقيمون بأحد الأحياء الشعبية، وتأتى فتاة فقيرة وجميلة لتقيم فوق سطح المنزل، فيقع الثلاثة فى حبها، لكنها تحب أحدهم «عمر الشريف»، وفى أوج سعادتها بقصة حبها تسقط فريسة للمرض فيسعى كل منهم لمساعدتها، وقد حقق الفيلم نجاحا جماهيريا واسعا.
وفى عام 1956 قدم عمر وفاتن فيلم «صراع فى الميناء» من اخراج يوسف شاهين، وأدى فيه عمر الشريف شخصية رجب الذى يعمل على احدى السفن ويعود بعد غربة من أجل ادخار مهر عروسه «حميدة» غير أن الشك يملأ قلبه معتقدا وجود علاقة بينها وبين صديق طفولته ممدوح ابن الرجل الكبير الذى يسيطر على الميناء، وبينما يبدأ الصراع بينهما، يكتشف رجب أن الرجل الكبير أبيه وأن ممدوح هو شقيقه من الأب، فيصدمه الأمر ويقرر الرحيل الا أن حميدة تنجح فى اعادته حين تهرع اليه وتناديه من فوق رصيف الميناء، وفى عام 1958 قدم عمر الشريف وفاتن فيلم «لاأنام» عن رواية لاحسان عبد القدوس واخراج صلاح أبوسيف، وقد حقق الفيلم فكرة البطولة الجماعية فعليا اذ شارك فيه كبار الممثلين وكل منهم يعد بطلا بدوره وليس بعدد المشاهد التى يظهر بها ومن بينهم يحى شاهين، مريم فخر الدين، هند رستم، رشدى أباظة، وجسد من خلاله عمر شخصية شقيق الزوج يحى شاهين الذى تتهمه ابنة شقيقه «فاتن حمامة» بأن علاقة تربطه بزوجة أبيها فيترك البيت على أثر ذلك وتشعر الفتاة بتأنيب الضمير بعد أن دمرت حياة أبيها وأسرتها.
وخلال نفس العام جمع فيلم «سيدة القصر» بين فاتن وعمر وشاركهما البطولة عمر الحريرى، زوزو نبيل، استفان روستى، ودارت أحداثه فى اطار رومانسى اجتماعى من خلال الشاب الثرى عادل الذى يهوى التردد على المزادات واقتناء التحف واللوحات الفنية، ويلتقى بسوسن الفقيرة التى تبيع بعض لوحاتها فى المزاد ويعجب بها ويتزوجها لكن أصدقاء السوء يوقعون بينهما ويشيعون بأن علاقة تربطها بصديق زوجها.
نهر الحب آخر الأفلام
يعد فيلم «نهر الحب» آخر الأفلام التى جمعت عمر الشريف بالنجمة فاتن حمامة قبل انفصالهما، وأخرجه عز الدين ذو الفقار الزوج الأول لفاتن حمامة، وشارك فى بطولته ذكى رستم، زهرة العلا، عمر الحريرى، فؤاد المهندس، والفيلم مأخوذ عن رواية «آنا كارنينا» لتولستوى، ودارت أحداثه فى اطار رومانسى من خلال نوال التى تضطر للزواج من أحد الاقطاعيين الكبار الذى يهدد شقيقها الموظف لديه، وتعيش حياة جافة لايخفف عنها الا طفلها، وخلال سفرها لشقيقها وأسرته فى الصعيد تلتقى بالضابط خالد الذى يعجب بها لأول وهلة فتهرب منه، وتجمعهما الأقدار فى أكثر من لقاء فيعترف لها بحبه ويعلم زوجها بذلك فيحرمها من رؤية طفلها ويستشهد خالد خلال حرب 1948، فتصاب بصدمة وتلقى بنفسها تحت عجلات القطار.
غير أن نجاح عمر الشريف مع فاتن حمامة لم يمنعه من التمثيل أمام غيرها من نجمات التمثيل خاصة بعد أن حقق نجومية كبيرة ، وخلال عام 1960 لعب بطولة فيلمين، الأول «لوعة الحب» أمام شادية وأحمد مظهر و فيلم «حبى الوحيد» أمام نادية لطفى وكمال الشناوى واخرجه كمال الشيخ، بعدها بعام لعب بطولة ثلاثة أفلام هى «نهر الحب» و«اشاعة حب» أمام سعاد حسنى ويوسف وهبى وعبد المنعم ابراهيم ، و«صراع فى النيل» أمام هند رستم ورشدى أباظة واخراج عاطف سالم ، وفيلم «فى بيتنا رجل» مع زبيدة ثروت وحسن يوسف وحسين رياض، عن رواية لاحسان عبد القدوس واخراج هنرى بركات، وخلال هذه الفترة لعب بطولة 12 فيلما مع كبار المخرجين، والتى ذكرناها آنفا بالإضافة الى أفلام «أرض السلام» و«غلطة حبيبى» و «فضيحة في الزمالك» ولعب بطولتها فى بداياته، وذلك قبل سفره لهوليوود وعمله بالسينما العالمية عقب اختيار المخرج ديفيد لين له ليلعب بطولة فيلم «لورنس العرب» أمام بيتر أوتوول، والذى حقق نجاحا كبيرا وفتح أمامه الطريق واسعا للسينما العالمية .
الحنين يعيده للسينما المصرية
ظل عمر الشريف يعذبه الحنين للعودة الى مصر لولا ارتباطه بتعاقدات متتالية لأفلامه فى أمريكا وأوروبا، وخلال تلك الفترة سجل أكثر من مسلسل اذاعى ومنها «أنف وثلاثة عيون»، «الحب الضائع»، وكان يتحين الفرصة للعودة للسينما المصرية، وجاءته فى أواخر الثمانينات وتحديدا عام 1989 من خلال المخرج هانى لاشين الذى اختاره لبطولة فيلمي «أيوب» وهو من انتاج التلفزيون المصري، ثم «الأراجوز» أمام ميرفت أمين وهشام سليم وسلوى خطاب، وقد أغراه الدور الذى رشح له وحماس مخرجه الشاب حينها هانى لاشين وجرأته فى اختياره لهذا الدور حيث جسد شخصية محمد جاد كريم الأراجوز الذى يعشق عمله ويراه جديرا بالاحترام وأنه لايقل أهمية عن أى عمل آخر ويستطيع من خلال عمله كشف الفاسدين بالقرية، ورغم تمسكه بالقيم والمبادئ، يأتى ابنه بهلول على نقيضه فيضحى بالمبادئ وبأى شئ فى سبيل أطماعه. وقد جسد عمر الشريف الشخصية ببراعة وساعده على ذلك السيناريو المحكم الذى كتبه المخرج هانى لاشين أيضا.
المواطن مصرى
ومن جديد التقى الشريف بالمخرج الكبير صلاح أبوسيف من خلال فيلم «المواطن مصرى» المأخوذ عن رواية يوسف القعيد وشاركه البطولة عزت العلايلى، صفية العمرى، خالد النبوى، وأدى عمر الشريف من خلاله دور عمدة القرية الذى يستغل نفوذه فى عدم ارسال ابنه لأداء الخدمة العسكرية ويستعين بابن المزارع الفقير ليؤدى الخدمة بدلا منه وحينما يستشهد الشاب يتحول العمدة الى أبو الشهيد البطل بينما يضيع حق الفلاح الأجير حتى فى دفن ابنه، والفخر باستشهاده فى سبيل الوطن، وفى عام 1993 شارك عمر الشريف فى بطولة فيلم «ضحك ولعب وجد وحب» أمام المطرب عمرو دياب ويسرا وحنان ترك، والفيلم من تأليف واخراج مدير التصوير السينمائى طارق التلمسانى، وأدى عمر الشريف من خلاله شخصية رجل المخابرات القوى الذى يهدد ابنه أدهم، الطالب الفاشل لعلاقته باحدى الغانيات ويهددها بفضح أسرارها لكن ابنه يتمسك بها ويتزوجها وينتهى الفيلم بحرب أكتوبر التى يشارك فيها أدهم ورفاقه فتغير كثيرا من مواقف جميع أبطال الفيلم، وقد رأى بعض النقاد أن الفيلم انتقص من موهبة عمر الشريف ومكانته فى السينما العالمية.
وبعد «ضحك ولعب وجد وحب» غاب عمر الشريف عن السينما المصرية نحو 15 عاما ليعود بعدها بفيلم «حسن ومرقص» عام 2008 أمام عادل امام ولبلبة وهناء الشوربجى واخراج رامى امام وقد كتب السيناريو والحوار يوسف معاطى، وقد جاء الفيم ليطرح قضية التطرف الدينى والعلاقة بين المسلمين والمسيحىين فى مصر من خلال رجل دين مسيحى ورجل مسلم يضطر كل منهما تحت وطأة تهديدات يتلقاها لاخفاء ديانته الحقيقية ويلتقى الاثنان فى رحلة هروبهما التى تشهد مفارقات عديدة.
المسافر آخر الأفلام
ويعد فيلم «المسافر» آخر الأفلام التى لعب بطولتها عمر الشريف فى مصر أمام سيرين عبد النور وخالد النبوى واخراج أحمد ماهر الذى كتب قصته أيضا وتدور أحداثه من خلال ثلاثة أيام فى سنوات مختلفة من حياة عامل بريد الذى تعصف به الظروف السياسية والاجتماعية التى يمر بها المجتمع وقد أنتجته وزارة الثقافة، ووفر له فاروق حسنى وزير الثقافة المصرى حينذاك كل الامكانات ليكون نموذجا لانتاج الدولة وقد شارك الفيلم فى مهرجان فينسيا السينمائى 2009، كما مثل مصر فى عدد كبير من المهرجانات العربية والعالمية وظل حبيس العلب لأكثر من عامين، وحين عرض لم يحقق النجاح الجماهيرى المتوقع ولم يسجل ايرادات مرتفعة فى شباك التذاكر.