أحمد راشدي يواصل كتابة تاريخ الجزائر سينمائيا ويصور أحداث أفلامه «أسوار القلعة السبعة»
الجزائر ـ «سينماتوغراف»: نبيل حاجي
شرع المخرج الجزائري الكبير أحمد راشدي قبل أيام، في تصوير فيلمه الجديد «أسوار القلعة السبعة» مواصل بذلك مسيرته في كتابة تاريخ الجزائر سينمائيا، وبعد أن قدم قبل اشهر فيلميه الجديدين «كريم بلقاسم» و«العقيد لطفي» حول شخصيات ثورية من حرب التحرير الجزائرية، ها هو اليوم يحمل مشروع إلى النور وهو الذي كتب له السيناريو قبل سنوات مقتبسا رواية بذات العنوان للكاتب والمؤرخ محمد معرافية.
الفيلم الجديد لأحمد راشدي، بدا تصوير مشاهده الأولى بمدينة قسنطينة، في غمرة الاحتفالات بعاصمة الثقافة العربية، وهو من تمويل وزارة الثقافة من خلال صندوق تنمية السينما وإنتاج الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي، فيما تشرف شركة راشدي (أرفيلم تيليسينيكس) على تنفيذ إنتاجه.
ويجسد بطولة «أسوار المدينة السبعة» نخبة من الممثلين الجزائريين على رأسهم حسان كشاش ( بطل فيلم بن بولعيد) ويوسف سحايري (بطل فيلم لطفي) بالإضافة إلى الممثل أحمد رزاق ومصطفى لعريبي وفوزي بن إبراهيم ولأول مرة الطفل بوالشحم طه وممثلين فرنسيين لم يكشف عنهم بعد.
ويعود هذا العمل السينمائي، إلى بداية الاستعمار الفرنسي للجزائر سنة 1830، وبعد سنوات من الاحتلال انطلقت في تشييد قلاعها الاستعمارية، في مختلف المدن، فأضحت الجزائر درّة الحواضر الملحقة بفرنسا، ويعد الحاج العيد الرجل الطاعن في السن الشخصية المحورية للفيلم، والذي يحمل كل معاني المقاومة والارتباط بالأرض من خلال منزل أراد ابنه العزيز ثابتي استرجاعه، سعيا منه للانتقام من الفرنسي لوسيان الذي يبدي هو الآخر تمسكه بهذا المنزل الذي يحمل رمزية كبيرة بالنسبة للطرفين المتصارعين، ليشتعل الصراع بينهما في مواجهة مكشوفة بين من يريد استرجاع ما ضاع منه وآخر يظن أنه صاحب حق في هذه الأرض.
وفي ظل هذا الصراع الدرامي يتجلى تشبث كل طرف بما يمثل الانتماء والارتباط بالأرض من خلال لوسيان الذي يعبر هو الآخر عن ارتباطه الشديد بالأرض الجزائرية بينما ثابتي يريد استرجاع حق ضاع منه بقوة النار منذ احتلال فرنسا للجزائر عام 1830.
وبذلك يقف كل من ثابتي ولوسيان في مواجهة حادة تعكس الكثير من المعاني والقيم التي تترجم اكثر 132 سنة من الاحتلال والسلب والدمار.
وأفاد أحمد راشدي في تصريح إعلامي أن هذا الفيلم الذي يعمل على إخراجه يندرج «ضمن سلسلة عن أفلام حرب التحرير الوطنية» ويعد عملا حول الذاكرة يهدف كما قال- إلى «النبش في أجزاء من تاريخ الجزائر وفترات الصعبة». .. وبعد أن أشار إلى أن الجزائر قد تأثرت وتشبعت بـ«ثقافة المقاومة» وانعكس ذلك عبر تاريخها أكد المخرج على أهمية «الحفر في الماضي واسترجاع ذاكرة جماعية تعود لألفيات كاملة».
وسيصور فيلم «أسوار المدينة السبعة» في خمسة مدن جزائرية على امتداد 14 أسبوعا، تحت إدارة مدير التصوير الجزائري حميد أكتوف (الذي عمل معه في أفلامه الأخيرة) وأيضا فريق مكون من يوسف راشدي مهندس للصوت والرحمان شرفاوي في التجميل والخدع الخاصة .
ويعد المخرج أحمد راشدي (1937) واحد من كبار المخرجين المؤسسين للسينما الجزائرية، فبعد الاستقلال حقق فيلم «فجر المعذبين» ثم اشتهر بأجمل أفلامه «الأفيون والعصا» (1969) المقتبس عن رواية بنفس العنوان للكاتب الجزائري الكبير مولود معمري. و تعرف أحمد راشدي على السينما وبدأ ممارستها في فرقة «فريد» وهو الاسم الذي حملته «مدرسة التكوين السينمائي» التي أنشأتها جبهة التحرير الوطني عام 1957 في الأوراس لتعليم السينما وتصوير معارك جيش التحرير.
بعد الاستقلال أسس رفقة «رونيه فوتييه» المركز السمعي البصري قبل أن يتولى إدارة «الديوان الوطني للسينما والصناعة السينمائية» من 1967 (تاريخ التأسيس) إلى غاية عام 1971.
أخرج راشدي العديد من الأفلام القصيرة والطويلة واهتم بأحداث الثورة المسلحة وبحياة المهاجرين الجزائريين بفرنسا، لكنه ظل وفيا لفترة حرب التحرير وتاريخ الجزائر في مجمل أعماله.
وهو بين المخرجين الجزائريين القلائل الذين تعاملوا مع الكتّاب والرواية حيث تعامل مع الروائي رشيد بوجدرة في فيلمين على الأقل من بينهما «علي في بلاد السراب» ومع الرائد عز الدين، والسيناريست الفرنسي جان كلود كاريير، في فيلم «كانت هي الحرب» حيث اشترك الاثنان في كتابة السيناريو المقتبس عن مذكرات الأول «كانوا يسمّوننا الفلاقة» ومن كتاب الثاني «سلم الشجعان».
تميز احمد راشدي أيضا بانفتاحه على المشرق العربي بتعامله مع ممثلين مصريين في فيلم «الطاحونة» الذي يعد فيلما سياسيا بامتياز ويتناول جوانب هامة من فترة حكم الرئيس أحمد بن بلة، كما كان له مشروع كبير مع الفنان المصري الكبير عبد الحليم حافظ ، لكن رحيله المفاجئ حال دون ذلك. كما ساهم في كتابة سيناريو الفيلم السعودي «ظلال الصمت» لمخرجه عبد الله المحيسن وشارك فيه أيضا الممثل الجزائري سيد أحمد أقومي.
تعامل راشدي أيضا مع اثنين من كبار المخرجين وهما اليوناني الفرنسي «كوستا غافراس» والمصري «يوسف شاهين»، فأنتج للأول فيلم «زاد أو تحليل اغتيال سياسي» المتوج بجائزى اوسكار أحسن فليم ناطق باللغة الأجنبية وأنتج للثاني «العصفور» و«عودة الابن الضال» الذي شارك فيه الممثل الجزائري الراحل سيد علي كويرات إلى جانب نخبة من الفنانين العرب بينهم المطربة اللبنانية الكبيرة ماجدة الرومي.