«زنقة ستات».. نكهة السيناريو
«سينماتوغراف» ـ إسراء إمام
الكوميديا فن مُستعصى على الفِهم، أرقاه أعقد الكتابة، وأدناه أسهلها. الجيد منه بمثابة بطاقة هوية لصاحبه. بينما رديئه أول خطوة فى طريق الشَتات. الكوميديا فن يتقن التمنع، ولا يكتب عقده مع مبدعه بسهولة. وعلى الرغم من ذلك، فهو المرتع الأشد استباحة أمام كُتاب السينما المصرية. لأن ذروة الإندفاس فى القاع لا تعنيهم فى شىء، بقدر ما يهمهم الإنتفاع من شعبية النكتة عند الجماهير.
قِلال كٌتاب الكوميديا الذين حاولوا الدخول من بابها الصحيح، من ثابروا للحوز على بصمتها المشتهاه، حتى ولو بنسبة ضئيلة، لا تكاد تصل إلى درجة الكمال. ولكنها ستظل مُسجلة فى تاريخ عملهم، بإعتبارها الخطوات الأولى التى وطأت أرض التعامل مع هذا الفن بخطوات ثابتة.
«فهمى، شيكو، ماجد»
مِن هؤلاء الذين يحاولون إقامة علاقة صحية مع الكتابة الكوميدية، حتى وإن تفاوتت نسبة جودة سيناريوهاتهم، وحتى ولو اعتبرنا أنهم حققوا نسبة كافية من الإخفاق فى إحداها. ولكنها لن تُنكَر أبدا ككتابة تحمل شخصيتها، لها نكهتها فى بناء الإفيه، وبصمتها التى يمكننا أن نشعر بحضورها المشابه فى جميع افلامهم. ومنطقها الذى يمكن أن نعمل على تجميعه وفِهمه.
فيلم زنقة ستات، أبرز ما فيه السيناريو. سيناريو «هشام ماجد» و«كريم فهمى» بكل سقطاته، وسذاجاته، له منهجه ونكهته. وفيه من طريقة الكتابة التى عهدها الثلاثى إياه. كوميديا تفصيل الشخصيات، المشاهد، والحوار، و«رشِة الطققان».
مواطن ضعف
الحبكة التى استمات السيناريو فى تقديمها، حول علاقة «حسن الرداد» أو علي مع والده استنفذت وقتا طويلا فارغا لا قيمة له. فقد استهلك المتفرج نفسه وهو يحاول استيعاب الضغينة بين علي ووالده متمثلة فى كل الصور، ليصل فى النهاية إلى الرهان الذى سيتم بينهما، حول قدرة الابن على علاج أحد مرضى والده، المعقد من ثلاثة فتيات. الموضوع كله بدا ملفقا، لبلوغ فقط هذه النقطة دون أى هندمة درامية. فشكل حياة علي غير مقنع على الإطلاق، وحبه الهمجى للنصب، وتزوير الأوراق لا يبدو حقيقا، ولكنه كان أميل إلى حل درامى للخروج من مأزق الإنطلاق إلى الفكرة الرئيسية، وهى المفارقة التى سيوضع فيها علي وهو يتعامل مع الثلاث فتيات المختلفات. وانطلاقة الفيلم، بدت كنهايته السريعة اللاهثة، التى لم تترك لنا حيزا لإستيعاب كل هذه الحيرة فى اختيار النهاية المناسبة للتعقيدات الكوميدية التى نجح السيناريو فى تشكيلها.
تشريح كوميدى
نقاط جذب هذا السيناريو، تقم فى أساسها على نظريته فى التعب على الإفيه، وفيما يلى محاولة لتأمل الخامة الكوميدية التى سنراها فى فيلم «زنقة ستات»..
(شخصيات)
تتذكر شخصية إنعام سالوسة فى فيلم الحرب العالمية الثالثة؟، تلك السيدة التى تهوى الطبيخ فى أحلك لحظات شرها وتآمراتها. شخصية إدوارد فى فيلم بنات العم، رجل الأعمال الذى يهوى توظيف أطفال، ترتدى وتتحدث كالرجال. وشخصية شامبليون فى فيلم ورقة شفرة، الشاب الذى يدمن الآثار، ويعيش حياته وفقا لمعتقدات أجداده المصريين. وغيرهم. شخصيات قد لا تُضحكك بسبب من يؤديها، ولكنها تملك إفيهاتها، وتركيبة وجودها الداعية وحدها إلى الضحكة بتفكر وذهول.
هنا فى زنقة ستات..
نجد شخصية «جلال الجحش»، دكتور الجامعة المرتعب دوما من زوجته، والذى يهوى توظيف اللغة الفصحى فى حديثه بطريقة هزلية تدعو لإثارة الضحك. شخصية أخرى، تجدها بكل تفاصيلها وعوالمها تنتمى إلى ذلك المنطق فى الكتابة وهى شخصية «لبنى» السكرتيرة الجاهلة، المُعدَمَة، بملابسها الرثة قليلة الذوق، وشعرها المصبوغ بالأوكسجين، وطريقتها الفجة فى النطق. بالإضافة إلى شخصية أخو سميحة العو، والذى على الرغم من عدم مساهمة دوره بحدث مذكور، إلا أنه وكلما تحدقه الكاميرا فى مشهد ما، يستعرض قدراته فى تأليف الأغانى، بينما يبدأ فى ثرثرة كلمات دارجة لأغانيات شهيرة. ففى المثال الأخير بالذات، قد لا يمكننا الإنتباه لملامح الممثل ذاته، بقدر تذكر قوة منطق الإفيه، وهذه العناية بإستولاده بطريقة ممنهجة يمكننا أن نلاحظها، ونُدرجها تحت خانات سابقة شبيهة.
تفاصيل
ذلك الحرص على خلق تفصيلة معينة فى تعامل شخصية مع الأخرى، واعتبارها مصدرا لإفيه قوى، مثلما حدث بين على «حسن الرداد» ولبنى «ايمى سمير غانم»، تحديدا وقت اتضح لنا اعتياد الأول على ضرب الثانية كلما داومت استفزازه. تماما مثلما تكرر نفس المنطق الذى كان على يبتز به عمه جلال ليشاركه فى إتمام خطته فى خداع البنات.
كما اهتم السيناريو بنوع آخر من التفاصيل اللحظية، الملائمة لطبيعة الموقف مثلما حدث وقت إخراج سميحة العو «نسرين أمين» شفرة الموس من فمها عندما كانت على وشك تقبيل علي. إفيه شبيه نراه فى أول مشاهد الفيلم، حينما كانت لبنى تحاول مرارا التدريب على قول كلمة إنجليزية، بنطقها الخاطىء، على الرغم من أنها تسمع النطق الصحيح من برنامج الكمبيوتر.
مواقف جانبية
فى إطار ذهاب علي إلى منزل لبنى، بغرض الوصول إلى إتفاق ما له دور فى المنحى الدرامى. يقابل أخواتها، ويصيغ السيناريو موقفا بسيطا جانبيا لا علاقة له بسياق المشهد، لنعى منه مقدار فقر لبنى، وفى الوقت ذاته يجلب سببا وجيها للضحك. لن يسعفنا وصف الموقف نفسه على هذه السطور، لأن تنفيذه أهم من حكيه، ولكن ما نستخلصه بتأمل صياغة هذا الموقف، ملاحظة دأب الكتابة فى خلق الضحكة بشكل حر، خفيف الروح، دون تقييد بالفكرة الدرامية، وفى الوقت ذاته، متبعدا عن الاستناد إلى الحوار.
يتكرر هذا مرة أخرى، فى الزيارة التى قام بها علي ولبنى لمنزل الفتاة المتدينة التى يعملان معا على خداعها «آيتن عامر»، ففى منطق منفصل، نجد علي يخبر أصحاب المنزل أنه وأخته صائمان، فى الوقت الذى تتحسر فيه لبنى على عدم قدرتها الجلوس على مائدة الطعام، مما يدفعها فى غياب أصحاب المنزل إلى محاولة التحصل على بعض الطعام سرا. ومنذ بدء الموقف وحتى إتمامه، نجد له مكانا خارج غرض المشهد، ولكنه فى النهاية يعد مادة مقبولة على المستوى الدرامى والكوميدى.
الغرابة والجرأة «الطققان»
لم يتحرج السيناريو من رسم مشهدا صادما لعلي، وهو يتبختر فى ميوعة ليؤدى دور مدرب الرقص الشرقى. صيغة كتابية تشعر بها جلية فى شكل تنفيذ المشهد. توشى بأن المشهد يبدو بهذه الصورة طبقا لحروفها فقط، وبدون أى تدخل إخراجى أو إنتاجى. جرأة تذكرك بصياغة إفيهات سيناريو بنات العم. الخوض دون تحفظ فى إفيه جرىء، ودفعه إلى آخر رمق الكوميديا عن طريق الصدمة. وفى الوقت ذاته لا يمرق لنا إحساسا مبتذلا مرفوضا.
مشهدا آخر ينتمى إلى جموح مخيلة الثلاثى، وابتكارهم لحدوتة كوميدية، قائمة على محاكاة الموروثات، والعادات. نرى هذا حينما أقدم علي ولبنى على تخدير سهام، بعدما نصحوها بإجراء صلاة استيخارة تمكنها من حسم قرارها فى الزواج من علي. وبناءا عليه، بدءوا فى تمثيل مشاهد منامية لها دلالة على الخير الذى تحمله لها زيجة علي منها، لدفعها على القبول. إنها كوميديا موقف، شديدة الترقب والدقة لطبيعة ما سيثير اهتمام المتفرج. وفى الوقت نفسه، تبهره لأن مثلها لم يتم مقاربته من قبل. ويمكننا تذكر إيفيهات مماثلة عن عمرو خالد، والحجاب فى فيلم بنات العم. بما يواكب تفكير الناس، وفى الوقت ذاته يحمل ظلال سخرية هادئة.
مشهدا آخر، فيه من لمحة الطققان المعهودة منهم، وهو المشهد الذى يعمل على محاكاة المحادثة الشهيرة التى تمت فى فيلم الراقصة والطبال، بين أحمد زكى ونبيلة عبيد. واستغلالها فى إطلاق الضحكات، بإسقاطها على الموقف المماثل بين شكرية وعلي.
آخر كلمتين:
ـ نسرين أمين بدت مُدعية بما فيه الكفاية، عاجزة عن خلق الحضور الملائم وخفة الدم الواجب حضورها مع شخصية سميحة العو، فبدت الشخصية مخنوقة باهتة لا أثر لها.
ـ ايمى سمير غانم مجتهدة كعادتها، لها لمساتها على الدور، وقبولها الخاص الذى تتحرك به من شخصية إلى أخرى بمنتهى السلاسة.