ملفات خاصة

نساء أبوسيف .. عجز وقهر ورغبة وتحدي

نعمة الله حسين تكتب لـ«سينماتوغراف»:

مع لحظة الميلاد .. وخروجه من رحم الأم لحضنها الدافئ .. ومع الرشفات الأولى من سرسوب اللبن من ثدييها .. كانت بداية وعى الرضيع الذى يتشكل فى عقله الباطن بأهمية الأم .. والمرأة .. عرفه بالاحساس قبل أن يعرف الكلام معنى التضاد فى المشاعر الانسانية، التى جسدتها تلك السيدة الفريدة فى حياته «والدته تفيدة» والتى تلخصت فيها واختزلت كل نساء الأرض، ومن بينها فيما بعد، نماذج وشخصيات النساء فى أفلام صلاح أبو سيف، الرضيع الذى ذاق مرارة  الاهمال من والده العمدة الثرى الذى رفض أن يتكفله ماليا، فكان على الأم، أن تجعل من الخال «أبا ثانيا» تطابقا مع المثل أن «الخال والد».

الأم «تفيدة» فى حياة صلاح أبوسيف هى القوة والضعف.. الصمود والانهيار.. المقاومة والقهر.. الغنى والثراء، هى كل الشخصيات والمجتمع، أو بمعنى أدق العامود الفقرى للحياة، تلك الحياة المتقشفة التى عاشها صلاح أبو سيف، فجعلته منحازا للطبقة الفقيرة والمتوسطة.

بداية ونهاية

فى حى بولاق الذى يحدوه نهر النيل كان يتطلع للضفة الأخرى من النيل، يتأمل حياة ارستقراطية تسحق الفقراء، تأمله للنهر الخالد صغيرا والذى كان يعتبره المنتهى، دفع الأخ الضابط بشقيقته «نفيسة» ـ حتى لايعايره أحد بها ـ لأن تلقى نفسها فى النيل قربانا لحياة جديدة، ينسلخ بها عن حياته القديمة، ناسيا أن نفيسة «العظيمة سناء جميل» هى من كانت تمده بالنقود، فقد كانت تعمل هى والأم لتعولا الأسرة.

بداية ونهاية
بداية ونهاية

نفيسة فى «بداية ونهاية».. قهرتها الحياة فبجانب قسوة الفقر، كان هناك فقر أكثر قسوة .. لاتجوع فيه البطون .. لكن «تقتل وتنتحر» بسببه المشاعر والأحاسيس وهو «فقر الجمال»، الدمامة أو «الوحاشة» التى لا تملك صاحبتها أن تغير منها شيئا فتظل «البومة» العاجزة عن تحقيق المثل الشعبى «لبس البوصة تبقى عروسة». ولانها كانت تحلم مثل أى بنت أن تكون عروسا .. استسلمت وصدقت ابن البقال الذى أيقظ الاحساس الذى دمره الفقر، وكانت تعتقد أنه قد قضى عليه، وعليها أن تعيش فى حرمان دائم، لكنه استغلها واستغل فقرها وزادها قهرا على قهر ولم يرحمها أحد .. الى أن دفعها الشقيق لأن تلقى بنفسها فى النهر، عروسا متشحة بالسواد، بوجه ليس به  مسحة من جمال .. لتستقر مع أجمل جميلات بنات الفراعنة، عرائس النهر، وياخوفى آلا يقبلها النهر هو أيضا مكتفيا بجميلاته اللاتى سبقنها.

الزوجة الثانية

ومن نفيسة المقهورة فى «بداية ونهاية» تحولت سناء جميل الى «حفيظة»، زوجة العمدة الاولى التى حرمتها الطبيعة من نعمة الانجاب، دون أن تمارس الغريزة الأولى فى نفس كل امرأة «الأمومة»، القهر هنا أشد لانه ناتج عن احساس بالعجز لم يستطع حسبها ونسبها وزواجها من أكبر رجل فى البلد أن يحميها منه.. فكان أن تحولت الى شخصية جامدة، قاسية .. لكنها ترضخ للأمر الواقع، بأن يأتى اليها بزوجة ثانية «ضرة»، بنت غلبانة جميلة، بحجة أن تجئ له بالولد .. فى حين أن الحقيقة أن الرجل كان يشتهيها ويحلم بها، هى فاطمة «سعاد حسنى» التى تعيش مع زوجها وأبنائها وحماتها، وتعمل خادمة فى بيت العمدة .. وقد أجبروا زوجها  «شكرى سرحان» أو «أبوالعلا» أن يطلقها لكى يتزوجها العمدة عتمان «صلاح منصور».

الزوجة الثانية
الزوجة الثانية

لكن هذه الفلاحة المحبة لزوجها لم ترضخ، وأمام ضريح «السيد البدوى» تسأل الامام الواعى المستنير عما تفعل .. لتدرك أن كل ما يتم بدون إرادتها وكأنه لم يكن .. لذا تستخدم المكر والحيلة والذكاء الفطرى، فلا تسلم نفسها للعجوز المتصابى .. وتقضى ليلتها مع زوجها .. خاصة وأن الغيرة دفعت بحفيظة لأن تجعل العمدة يبيت الليلة عندها، لتصبح واحدة من أشهر الجمل فى السينما المصرية «الليلة ياعمدة».

الفلاحة البسيطة ملكت من الوعى مالم يملكه آخرون جعلها ترد لشقيق العمدة ما يفترض أنها ورثته بحكم أنه زوجته وحملت منه لتجئ بالولد، بعد ان مات كمدا وحسرة بعد اصابته بالشلل عندما واجهته بأن الجنين الذى فى بطنها ليس ابنه لأنه ليس زوجها، وان زوجها الحقيقى وهو أبو العلا.

والله عليكى يافاطمة .. والله عليك ياعم صلاح أنت والراحل العظيم، أستاذى «رشدى صالح»  صاحب القصة الحقيقية .. على الصياغة الجميلة لصورة الفلاحة البسسيطة، الايجابية فى الحياة.

حاولت «زليخة امرأة» عزيز مصر اغواء سيدنا يوسف عليه السلام لكنه رفض .. وان كان أصل البشرية «آدم» خضع لأمنا حواء واستمع اليها بعد أن وسوس لهما الشيطان .. ومنذ ذلك الوقت أصبحت حواء هى رمز الغواية، يتبعها الرجل منقادا اليها، تحركه غريزته وشهوته.

شباب امرأة

ومن أجمل أفلام السينما المصرية والذى احتل المرتبة السادسة فى موسوعة أفضل فيلم مصرى، كان «شباب امرأة» والذى مثلنا فى مهرجان «كان» السينمائى، فحظى باعجاب العالم أجمع.

شباب امرأة
شباب امرأة

تحية كاريوكا أو شفاعات، صاحبة السرجة فى الحارة الشعبية، رمز الأنوثة والجبروت، الطاغية بجمالها، ورغبتها المتقدة فى الجنس، تجد فى «امام» ـ شكرى سرحان كبشا لرغبتها ـ شديد الفحولة والرجولة، لكنه ساذجا وخاما، قادما من الريف بعد ان اصطحبته أمه للمدينة القاهرة، بعد أن باعت «الجاموسة» ليتعلم .. من حضن الأم الطيبة الى أحضان هذه اللعوب شفاعات التى أبعدته عن «الصلاة» وغاب عن الجامعة .. وفى النهاية سحبته «كالخروف» لتتزوج منه بعد ان هددته بسجنه، شفاعات، الرغبة الحية التى يجن جنون رغباتها أمام قلة خبرة الفتى اليافع .. والذى لاينقذه منها الا مقتلها على يد من أحبته وأحبها يوما لأنها «رمته»  بعد أن  «هرم» وفقد صحته.

شفاعات هى نموذج صادق لبعض النساء فى الأحياء الشعبية، والغريب والمثير أنها بشكل أكبر فى الطبقات العليا الثرية.

انا حرة
انا حرة

البحث عن الحرية

واذا كان الجنس والرغبة هما المحركان الرئيسيان لشخصية شفاعات، فان «الحرية» هى ما كانت تبحث عنها «لبنى عبد العزيز» فى «أنا حرة»، أمينة التى تعيش فى كنف عمتها منذ صغرها بعد انفصال والديها، وكانت متمردة على وضع عمتها الراضخة، المستسلمة، لزوج شديد القسوة عليها وعلى ابنها «حسن يوسف» ابن العمة، الفاقد لشخصيته تماما أمام والده، تمرد أمينة جعلها تتسلح بالعلم، فمن خلاله سوف تحصل على حريتها.. ولن تكون أبدا سلعة يشتريها من يتقدم اليها للزواج منها، وفى رحلة التمرد والبحث عن الحرية، تترك منزل العمة، من كانت تعتبرها أما، لتذهب وتعيش مع والدها الذى يتركها تدير حياتها بحرية تامة، لكن بالممارسة تدرك ان ماتبحث عنه وتسميه «حرية» كانت تتمثل فى أشياء بسيطة للغاية، انها لم تكن تريد أبدا «الانفلات الأخلاقى» .. وعندما تلتقى بـ «عباس»، وتشعر بالحب تجاهه، تجده مشغولا ومهموما مما يمر به بلده، حتى أنها تدخل السجن ايمانا بالقضية الحقيقية التى باتت تسعى اليها وتعتبر الحرية الحقيقية لنا جميعا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى