«أوديسا العراق» .. رحلة الشتات في بلاد الله
المخرج يروي قصّة عائلته في فيلم وثائقيّ
القاهرة ـ سينماتوغراف: مروة أبوعيش
صور فوتوغرافيّة قديمة «أبيض وأسود»، لقطات وثائقيّة، وحكايات عن الشتات الذي تعيشه أسرة عراقيّة تفرّق أفرادها بين دول وأماكن مختلفة، لكنّ المخرج أصرّ أن يبحث عنهم ويجمعهم في فيلمه الوثائقيّ الطويل «أوديسا العراق» للمخرج العراقيّ السويسريّ سمير جمال الدين، الذي عرض أمس السبت ضمن مهرجان القاهرة السينمائيّ، ولاقى جذباً جماهيريّاً بالرغم من أنّه فيلم وثائقيّ، ولأنّه يمثّل سويسرا في جائزة الأوسكار لعام 2016 .
تدور أحداث الفيلم حول حياة أفراد عائلة سمير العراقيّة، وهم أبطال ملحمة حقيقيّة يعيشون الآن في الشتات كحال ملايين العراقيذين الذين هاجروا من بلادهم ليس فقط بعد حرب العراق عام 2003 ولكن قبل ذلك بعشرات السنين.
الفيلم يستعرض خلال 160 دقيقة تاريخ عائلة المخرج منذ بداية القرن الماضي لبعض من أفراد عائلته التي تعتبر من العائلات الكبيرة جدّاً سواء لجهة عدد أفرادها أو لمستواها الاجتماعيّ.
يحكي سمير أنّه من مواليد بغداد1955، اصطحبه أبواه ليعيش في سويسرا وهو طفل عام 1961، في حين تفرّق أفراد عائلته الكبيرة إلى جميع أنحاء العالم من أبو ظبي، أوكلاند، سيدني، لوس أنجلوس، بافالو، لندن، باريس وزيورخ إلى موسكو.
العمل مليء بالمعلومات والصور المؤثّرة جدّاً، أخذها المخرج من أفراد عائلته الذين سافر إليهم في بلاد متباعدة والتقى بهم، مستعيناً بصور قديمة، شهادات حيّة ولقطات وثائقيّة. ورغم طول الفيلم إلّا أنّه استطاع أن يجذب المتفرّجين الذين سعوا لمعرفة المزيد عن هذا الشعب الذي حسب قول المخرج تحرّر من الديكتاتوريّة ليدخل في خيوط الاستعمار الأمريكيّ، فقد التقط أنفاس الحريّة للحظات لتسود الفوضى والخراب بعد حرب العراق عام 2003، وقد استطاع المخرج بطريقة حيويّة تجذب المشاهد أن يخرج من عباءة الفيلم الوائقيّ التقليديّ بشكل كبير خاصّة أنّه اعتمد بشكل كبير على صور فوتوغرافيّة قديمة ولقطات وثائقيّة تاريخيّة جعلته بعيداً تماماً عن سرد تاريخيّ قد يثير الملل.
شكّلت طريقة تصوير الفيلم وصناعته ليعرض بتقنيّة الـ3D عامل جذب آخر، وإن كان عرضه في القاهرة لم يكن بهذه التقنيّة، لكن الصورة كانت ألوانها ساطعة ومبهرة جدّاً، أيضاً استخدام سمير جمال الدين صوته لسرد قصصه بنفسه، عنصر جذب مختلف، لأنّ نبرات صوته كانت مميّزة وصادقة، الأمر الذي زاد من تأثير العمل على انفعالات المشاهد وتأثّره بالقصّة.
يذكر أنّ سمير عمل على هذه الملحمة كمخرج وباحث على مدار أكثر من عقدين من الزمن أثناء عمله على أفلام أخرى، فلقد أنجز أكثر من 40 فيلماً منها «محطة القطارات وملائكتها» (2010)، «بياض الثلج» (2005)، «أنس بغداد» (2002)، «بحثاً عن وفاة» (1999)، «الجزار» (1996)، «بابل 2» (1993)، وهو يعمل حاليّاً على فيلمه الروائيّ الطويل «مقهى أبو نواس».
واجه المخرج صعوبات في التمويل لأنّ المنتجين والداعمين نظروا للفيلم نظرة سطحيّة باعتباره يروي سيرة ذاتيّة لعائلته، لكنّ المخرج الذي طاف أرجاء المعمورة لتصوير فيلمه بكاميرات مختلفة منها كاميرا يابانيّة حديثة تعطي صورة ثلاثيّة الأبعاد، استطاع صناعة مقدّمات للترويج لفيلمه بلقطات ممّا صوّره، فأقنع بعض المموّلين في النهاية برؤيته في السرد وترجمته من خلال الصورة التي شكلت لغة خاصّة في الفيلم، وقد جاء الفيلم معبّراً عن حالة الشتات التي تعيشها كثير من الأسر العراقيّة وليست أسرة المخرج فقط.