إصدارات حديثة: «تعدد أصوات الراوي في سيناريو الفيلم السينمائي»
القاهرة ـ «سينماتوغراف»
«تعدد أصوات الراوي في سيناريو الفيلم السينمائي»…عنوان كتاب صدر أخيراً عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، لرئيس قسم السيناريو في المعهد العالي للسينما فدوى ياقوت، التي ذكرت في مقدمة الكتاب أن السارد/ الراوي يُعدّ مكوّناً أساسياً من مكونات عملية السرد في شكل عام، والسرد السينمائي وبناء الفيلم في شكل خاص؛ وأكدت أن الراوي السينمائي يختلف عن السارد السينمائي، في أنه يمكن الاستغناء عنه، إذا لم يكن الفيلم بحاجة لوجوده السردي، حيث إن السينما التي تقوم في أساسها على الصورة، يمكنها أحياناً الاستغناء عن حضور الراوي، الذي يعتمد في وجوده في شكل أساسي على السرد اللفظي، في حين لا يمكنها الاستغناء بأي حال من الأحوال عن وجود السارد السينمائي المسؤول عن منحى القص في الفيلم في شكل عام.
واحتوى الكتاب على أربعة فصول، حمل الأول عنوان «الجذور الثقافية والاجتماعية لتقنيات السرد في السينما المصرية»، وتم التعرض فيه للأشكال السردية المختلفة التي توظف أشكال الراوي وتعدد الأصوات، التي سبقت ظهور السينما المصرية، فالسينما المصرية وإن تشابهت مع الغربية في توظيفها للتقنيات الرئيسية، التي تعود إلى كون أن السينما اختراع غربي، فإنها تختلف عنها أحياناً في طرق توظيفها للأساليب السردية، لأنها تختلف في جذورها الثقافية التي تنحدر منها تلك الأساليب السردية، وتعرض أيضاً للمسرح المصري وعلاقته بالسينما المصرية، وشكل السرد ووجهة النظر السردية في بدايات السينما، وكيف تطورت متمردة على وجهة النظر المسرحية الثابتة، والعوامل التي ساهمت في ظهور وجهة النظر السينمائية وأشكال السرد المركب، كذلك شكل السرد ووجهة النظر السينمائية وبذور السرد متعدد الأصوات في السينما المصرية في بداياتها المبكرة. وحمل الثاني عنوان «آليات السرد وتعدد الأصوات بين الأدب والسينما»، وتعرّض للفروق النوعية بين كل من الأدب والسينما، ومصطلحات السرد في السينما، وأساليب الكشف عن هوية الصوت السردي في الفيلم السينمائي، وأهم التصنيفات المتعلقة بأشكال الراوي/السارد ووجهة النظر في السينما.
أما الثالث «أشكال الراوي في السينما المصرية كحالة خاصة»، فتعرّض لأشكال وتجليات السارد/الراوي في السينما في شكل عام، والسينما المصرية في شكل خاص. وانقسم هذا الفصل إلى جزأين، الأول «السرد الخارجي» وتناول الأشكال المختلفة للسارد الذي ليس شخصية في الفيلم، وليس فاعلاً في السرد الذي يحكيه، والذي يمكن أن يأتي على ثلاثة أشكال، هي «العناوين» و «السرد الخارجي بواسطة الصوت الخارجي» و «السرد الخارجي على الشاشة»، والثاني «السرد الداخلي»، وتناول أشكال الراوي/السارد الداخلي، الذي هو شخصية مشاركة في الحكي الذي تحكيه، سواء بوصفه فاعلاً، أو كمن وقع عليه الفعل، وتعرض الفصل الرابع «السرد الدرامي في السينما بين الصوت الواحد وتعدد الأصوات» للسرد الدرامي الذي يتميز بأنه يمكن أن يأتي على شكلين أساسيين، هما السرد الداخلي الدرامي الأحادي، ويتميز بهيمنة موقع الراوي/ البطل، الذى يحكم منطق بنية القص، والذي يمكن أن يأتي على شكلين فرعيين الإطاري والتطوري، والسرد الداخلي الدرامي المتعدد، ويتميز باستخدامه عدداً من الرواة أو الساردين، الذين يمثلون مجموعة من وجهات النظر المختلفة أو المتعارضة، التي تسلط على الأحداث، والذي يمكن أن يأتي على ثلاثة أشكال فرعية، هي السرد الداخلي الدرامي المتعدد التسلسلي، والمتعدد التكراري، والاقتطافي.
وخلصت ياقوت إلى عدد من النتائج، منها أن مفهوم المنظور أو وجهة النظر في الفيلم السينمائي يختلف عنه في حالة الرواية الأدبية، من حيث إن الفيلم لا يسرد عادة من وجهة نظر ثابتة في شكل حرفي، وحتى في حالة تبني الفيلم لوجهة نظر ذاتية، فإن الكاميرا لا تتقيد باللقطات الذاتية، واستحالة الاعتماد في شكل منفصل على أحد عناصر التقنية السردية السينمائية، كزوايا الكاميرا مثلاً، لتحديد هوية السارد أو الراوي في الفيلم، وذلك لأن الفيلم يعتمد على قناتي معلومات متزامنتين سمعية/ بصرية، وأن السينما المصرية ظلت أسيرة المنظور المونولوجي التقليدي، الذي يوظف أشكال السرد الأحادي، الذي يختصر السرد إلى صوت واحد مهيمن، هو الصوت السارد في الفيلم، والذي تراوح ما بين توظيف السارد الموضوعي الخارجي الضمني، وتوظيف الراوي بواسطة الصوت الخارجي بنوعيه الخارجي والداخلي، وإن كانت السينما المصرية تفضل استخدام الراوي بواسطة الصوت الخارجي في حالة السرد الداخلي، وأن السينما المصرية في استخدامها لتعدد الأصوات لم تحاول نقل النموذج المستخدم في السينما الغربية في شكل حرفي، وذلك لأن الفيلم المصري-في الغالب الأعم- لا يطرح التعدد الصوتي على طول عملية سرده، وإنما يوظفه لسرد أجزاء بعينها من دون غيرها من الفيلم، وأن الأفلام المصرية التي تقوم بتوظيف السرد المتعدد تختلف عن نظيرتها في السينما الغربية من حيث الهدف، إذ في حين تحاول السينما الغربية عبر عملية السرد المتعدد رسم منظور لا نهائي الوجوه للحقيقة المفترضة، تحاول السينما المصرية محاصرة تلك الحقيقة في وجه واحد، وتطويق مساحات السرد، بهدف سرد حكاية مكتملة التفاصيل، وسد كل الثغرات التي تنشأ عن عملية الحكي المتعدد، والإجابة عن كل الأسئلة التي قد يطرحها السرد.