«إينولا هولمز 2» .. ينجو من فخ الأجزاء الثانية الباهتة
«سينماتوغراف» ـ لمياء رأفت
تجاوز فيلم “إينولا هولمز 2” مشاكل الأجزاء الثانية من الأفلام بأنه لم يحاول إكمال قصة لم تنته، لكنه أخذ التأسيس من القصة الأولى، وبدأ من جديد في بناء قصة سينمائية مستقلة، وهو ما أعطى الفيلم طزاجته، وجعل هذه السلسلة تصلح لتقديم أجزاء أخرى قادمة.
بدأ عرض الجزء الثاني من سلسلة أفلام “إينولا هولمز” (Enola Holmes 2) في الرابع من نوفمبر الجاري، ليكسر التوقعات ويحقق معدل 92% على موقع “روتن توماتوز” (Rotten Tomatoes)، ويعد الفيلم الجديد استثناء بين الأجزاء الثانية لأفلام الناجحة التي كانت تأتي على الأغلب باهتة لأنها تصنع لاستغلال نجاح سابقاتها.
وعلى عكس الجزء الأول الذي تم اقتباسه من أولى روايات سلسلة “إينولا هولمز” للكاتبة نانسي سبرينغر، فإن الجزء الثاني أخذ الشخصيات من السلسلة، لكنه وضعها في سيناريو أصلي غير مقتبس من عمل روائي، فكيف نجا الفيلم من فخ الأجزاء الثانية الباهتة؟
إينولا هولمز شخصية خيالية اخترعتها نانسي سبرينغر، وهي الأخت الصغرى للمحقق الإنجليزي الشهير شيرلوك هولمز، وفي ظهورها الروائي والسينمائي الأول تختفي والدتها بشكل مفاجئ، فتبدأ الصغيرة في اكتشاف مهاراتها في التحقيق المشابهة لمهارات أخيها، ولا تجد فقط الأم بل تنجح في حل لغز اختفاء الماركيز.
ويبدأ الجزء الثاني بـ”فلاش باك” سريع يوضح المرحلة الوسيطة بينه وبين الجزء الأول، ومحاولة إينولا فتح مكتب للتحقيقات للبحث عن المفقودين، وفشلها لاعتقاد الجميع أنها ليست سوى ظل باه لأخيها المحقق الأشهر، الذي تستعين به سكوتلاند يارد طوال الوقت.
وقبل أن تغادر مكتبها للمرة الأخيرة، تجد أمامها طفلة تطلب منها البحث عن أختها المفقودة، ومن هنا تبدأ المغامرة الجديدة لإينولا الشابة.
لم يحتج جاك ثرون كاتب سيناريو فيلم “إينولا هولمز 2” إلى أصل أدبي حتى يبني العمل الخاص به، فقد أخذ من العالم الروائي والفيلم الأول التأسيس اللازم لشخصية إينولا والعالم المحيط بها، ثم صنع الحبكة الجديدة البسيطة.
تعتمد الحبكة على بضع نقاط أساسية، أهمها هشاشة شخصية إينولا الوحيدة في عالم معاد بالكامل، وقد حرمت من الأم، التي رأت أن الصغيرة حظيت برعاية الأمومة الكافية ويجب أن تجد مكانها في العالم وحدها.
لإينولا أخ لامع في مجال عملها نفسه، بحيث لا يترك لها فرصة للتألق، بينما الأخ الآخر يرى أنها بحاجة لزوج ومنزل رافضًا هذا الاستقلال، مع الوضع في الاعتبار أن الأحداث تدور في لندن القرن الـ19عندما لم تكن المرأة قد حظيت حتى بحق الانتخاب.
والقضايا التي تتولاها إينولا تخص أشخاصا يشبهونها، ويحاولون إيجاد بقعة لهم في هذا العالم ذي القواعد الراسخة، الماركيز المتمرد على قوانين غير منطقية، أو الفتاة الفقيرة التي تعمل مع زميلاتها في وضع أقرب ما يكون إلى العبودية الجديدة بأجور قليلة وساعات عمل مجحفة، وعندما تكتشف جرائم مديرها تختفي تاركة وراءها علامة استفهام عملاقة.
عالم إينولا هولمز للأشخاص غير المرئيين في المجتمع البريطاني المحافظ، ويستغل الفترة التاريخية التي تدور فيها الأحداث بالطريقة المثلى، لإضفاء بعض النور على الحاضر الذي لا يقل قتامة عن الماضي.
على الرغم من المواضيع الواقعية التي تختبرها روايات وأفلام “إينولا هولمز”، فإنه عالم ملائم للكبار والصغار، يسوده طابع من الخفة والتسلية بفضل إخراج هاري برادبير، صاحب أعمال أخرى لها السمات نفسها منها مسلسل “فليباغ” (Fleabag) ومسلسل “قتل إيف” (Killing Eve).
تناول برادبير في هذين العملين أفكارا شديدة السوداوية، لكن مغلفة بخفة الظل الذكية، وكسر الحائط الرابع، والتحدث مع الجمهور مباشرة لزيادة تفاعل المشاهد مع العمل وجعله جزءًا أساسيًا منه.
هذا الأسلوب الإخراجي يتلاءم مع المطلوب من السلسلة أساسًا، وهي أفلام تستقطب الأجيال الأصغر، وفي الوقت ذاته مثيرة للاهتمام لأجيال أكبر قرأت الروايات.
يظهر ذلك في اختيار الممثلين، فتقدم دور إينولا الشابة ميلي بوبي براون بطلة مسلسل “أشياء غريبة” (ٍStranger Things)، وهو واحد من أكثر المسلسلات شعبية بين المراهقين والشباب.
يقدم دور شيرلوك الممثل هنري كافيل، الذي اشتهر بدور سوبرمان، والذي يمثل عامل جذب لأجيال أكبر عمريًا، لكنه لم يتناسب مع الشخصية بعضلاته المفرطة التي جعلته لا يبدو متسقًا مع شخصية المحقق الذي يحل الألغاز بعقله لا بذراعيه.
باقي فريق العمل ضم هيلينا بونام كارتر في شخصية والدة إينولا، المرأة التي تحمل مبادئ لا تتناسب مع عصرها، واحتاجت شخصيتها إلى حيوية وخفة ظل كارتر التي جعلت الشخصية مقبولة للجمهور فلم يحكم عليها بشكل سلبي لهجر طفلتها.
ركز الجزء الأول من أفلام “إينولا هولمز” على أهمية الفردية، واعتماد الشخص على ذاته، وهي نقطة مهمة في بناء الروايات، فحتى اسم البطولة “Enola” يمكن قراءته مقلوبًا “ِAlone”، لكن الجزء الثاني يظهر أنه حتى أكثر الأشخاص استقلالا قد يحتاج إلى آخرين، كما لم يكن السيناريو عاطفيًا بشكل مفرط في تعامله مع هذه النقطة الحساسة.
تبقى أفلام “إينولا هولمز” وقبلها أفلام “شيرلوك هولمز” لجاي ريتشي أعمالا تركز على حل الألغاز، تجعل المشاهد يندمج معها للوصول إلى إجابة للأسئلة التي يطرحها، وهو ما أجاد الجزء الثاني استعراضه، وكلما قلت مشاهد الأكشن (الحركة) أصبح الفيلم أكثر سلاسة وانتمى إلى نوعه ببساطة.