أفلام تحريكالمهرجاناتالمهرجانات العربيةسينمانامراجعات فيلميةمهرجان القاهرةمهرجاناتنقد 
الصبي والعالم.. قال كل شيء بلغة الصمت
“الصبي والعالم”.. قال كل شيء بلغة الصمت
“سيناتوغراف” ـ رشا حسني
استطاع فيلم الصبي والعالم “The Boy and the world” للمخرج ألي أبريو”Ale Abreu” إيجاز الكثير من مشكلات كان من الممكن أن يُفرد لها ساعات من البرامج التلفزيونية وصفحات من الجرائد والمجلات من خلال فيلم تشكيلي من أبسط ما يكون قد صُممت كل لوحاته وشخصياته بالقلم الرصاص وهو اتجاه جديد في عالم التحريك. فلقد خاض مخرج الفيلم تحدياً في إيصال كل ما يريد قوله والتعبير عنه من دون مساحة حوار يُذكر وقد نجح في هذا فالسينما هي فن الحكي البصري.
حاول مخرج الفيلم ربط شخصيات بعينها بذهن المشاهد من خلال اعتماده علي تيمات الموسيقي التصويرية التي قد وُظفت في هذا العمل بشكل أساسي وليس تكميلي أو جمالي فلقد كانت عنصراً درامياً فاعلاً، وخصص للأب تيمة موسيقية بعينها حينما يسمعها المشاهد يدرك لا شعوريا بأن ما هو مقبل له علاقة بالأب وكذلك الأمر مع مباريات كرة القدم وأوقات حصد القطن من الحقول وهكذا، وتعامل بنفس المنطق في الملابس والألوان من خلال توحيد زى لكل شخصية.
الفيلم يتحدث عما فعلته العولمة بالدول الفقيرة وريفها قبل حضرها عن غزو الوجبات السريعة وهدم قيم الجمال و قهر العامل الفقير في دولة مثل البرازيل والحق في حياة كريمة لا يُضطر من ينشدها العمل في سن الشيخوخة أو أن يترك منزله وأسرته جلباً لوجبة غداء.
تعددت صور القهر في الفيلم علي تعدد شخصياته فقهر أم الطفل من فراقها لزوجها يختلف عن قهر الرجل الذي خرج ليبحث عن عمل يؤمن من خلاله قوت يومه، ويختلف كذلك عن قهر عمال المصانع الذين ينتظرون صافرة الراحة وكأنه الخلاص، وعن معاناة البائع البسيط الذي لا يعرف سوي طعام واحد فقط يتناوله كل يوم ولديه منه علباً كثيرة وذلك أثناء مشاهدته لإعلانات التلفزيون وعن الوجبات السريعة والمنتجات الغذائية التي لا يعلم عنها شئ.
ولكن في نفس الوقت يُعاب علي الفيلم إغراق مخرجه في استخدام الرمزية كالعراك بين الطائر الملون بألوان البرازيل والطائر الأسود في إشارة لمحاولة التمسك بكل ما هو أصلي ضد كل ما هو وافد ومضر كهدم حقول القطن والمزارع لإنشاء مصانع تضخ أطنان من الملوثات البيئية لا يقيمها صانعوها في بلادهم بل يبحثون عن بلداناً فقيرة ليقيموها فيها.
عند عودة الأب ونزوله من القطار ينزل كثيرين لهم نفس هيئته وشكله في دلالة علي تشابه الظروف التي دعتهم للرحيل وتشابه حالاتهم عند العودة.
ضرب الدبابة للطائر الملون وفصل رأسه عن جسده في دلالة لإجتياح صور الحداثة المدمرة في أحيان كثيرة لقيم الجمال والبراءة.
أيضاً من ضمن ما قد يؤخذ علي الفيلم هو استخدام المخرج للقطات أرشيفية حية قرب نهاية أحداث الفيلم للتعديات علي البيئة وغيرها من الإنتهاكات وهو ما كسر أهم عنصر سينمائي “الإيهام” ربما يكون عن قصد من المخرج ولكنه جاء في غير موضعه فكان لابد أن يستمر الفيلم علي منواله فهو ليس فيلماً وثائقياً ولا فيلماً روائياً صُنع بالطريقة التقليدية التي كان من الممكن إستخدام ذلك العنصر بها دون الإخلال بشكلها السينمائي.
ولكن إعتماد المخرج علي التناقض لتقوية الفكرة وتعميق تأثيرها كان هو أفضل أجزاء الفيلم مثل متابعة مباريات كأس العالم علي أكوام القمامة، ليطرح لذهن المُشاهد تساؤل حول ما الذي أجدي لهذا البلد أن تنفق كل هذه الموال علي مثل تلك الإحتفالية الكروية أم أن تُسخر هذه الأموال لتنمية مواطنيها والقضاء علي الفقر والعشوائية.
