Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
شخصيات سينمائية

الليثي.. سيناريوهاته تمس حياة المصريين

4 من أعماله بين أفضل 100 فيلم مصري ويتميز بدمج الواقع والرمز

 

«سينماتوغراف» ـ محمود درويش

«ميرامار»، «ثرثرة فوق النيل»، «الكرنك»، «المذنبون».. أربع روايات للأديب العالمي نجيب محفوظ تحولت إلى أفلام على يد السيناريست الراحل  ممدوح الليثي، وجميعها أثارت ضجة كبيرة إما لفكرتها الجريئة أو لما تضمنته من مشاهد قسوة أو جنس، ورغم ذلك اختيرت هذه الأفلام من بين أفضل 100 فيلم مصري.

كان ممدوح الليثي، الذي حلت الذكرى الأولى لوفاته هذا الأسبوع، يعشق تحويل الأعمال الروائية إلى أفلام خاصة لنجيب محفوظ الذي حول له أيضا إحدى روايات الثلاثية وهي “السكرية” إلى عمل سينمائي.

وتميز السيناريست الراحل بقدرته البارعة على اختيار موضوعات تتناول الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التى تحيط بالإنسان، كما تميز بقدرته على الدمج بين الواقع والرمز.

2

وتدور الأحداث في فيلم «ميرامار»، الذي أخرجه كمال الشيخ (1969)، في بنسيون ميرامار في مدينة الإسكندرية الذي تديره سيدة يونانية الجنسية ويعيش به عدد من الشخصيات المختلفة مثل «عامر بك» عماد حمدي، الصحفي المتقاعد، وسرحان  «يوسف شعبان» الشاب العابث الوصولي الذي يوعد زهرة «الشخصية الرئيسية في الفيلم وجسدتها شادية» بالزواج وهي الفتاة التي جاءت إلى الإسكندرية هاربه من بلدتها لرفضها الزواج من عجوز غني ضغطت عليها اسرتها للزواج منه .. ولكن ولأنها مثال للمرأه المصرية القوية صاحبة الإرادة رفضت ذلك وهربت إلى الأسكندريه وعاشت في بنسيون ميرامار وأثناء ذلك تعرفت زهرة على مدرسة قامت بمحو أميتها وتعليمها القرأة والكتابة. وتتزوج زهرة من بائع الجرائد بعد تخلي سرحان عنها.

وقد أراد الفيلم، كما في الرواية الأصلية، ان يجسد بنزلائه جملة من المفاهيم والتيارات السياسية المتصارعة في مصر الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي والتي عرفت بالناصرية، بدءا من الاقطاعي الذي أممت أرضه وسخط على ثورة يوليو «يوسف وهبي» مرورا بالانتهازي الذي امتطى موجة الاتحاد الاشتراكي وليس انتهاء بالخادمة القادمة من الريف والتي قيل ان نجيب محفوظ اراد من خلالها ان يقول بأن مصر رغم كل الشروط التي تحاصرها تواصل الاصرار على البناء وصيانة الذات، لأن الخادمة تستعصي على كل محاولات استدراجها واخيرا تدخل مدرسة لمكافحة الامية.

3

وجسد «ثرثرة فوق النيل»، الذي أخرجه حسين كمال (1971) وصنف للكبار فقط، حالة اللامبلاة والانكسار والاستسلام للهزيمة في الفترة بعد نكسة يونيو 1967 من خلال تشريح فئة ضارة وغير منتجة تعيث في الأرض فسادا، حيث صور الفيلم مناخ الأنس والفرفشة والفضائح والمؤامرات والدسائس التي كانت تحاك داخل العوامات والذهبيات الراسية على نيل القاهرة، وقد كانت هذه العوامات تستخدم للترفيه والتسلية بعيداً عن العيون لكبار القوم.

والشخصية الرئيسية في الفيلم كانت «أنيس» والتي جسدها عماد حمدي ببراعة، حيث ركز الفيلم على المونولوج الخاص «الحوار الداخلي» به كونه ساخطا على المجتمع، مستخدما تلك الحوارات او الاحاديث التي تدور داخله للدلالة على التلميحات التي يجلد بها نفسه والمجتمع.

وتدور الأحداث بين رواد العوامة التي يمتلكها الفنان رجب «أحمد رمزي» والذي لا يتوقف هو ورفاقه من الفاسدين عن شرب الخمر وتدخين الحشيش ومضاجعة النساء، حتي يأتي يوم يدهسون جميعا إحدى الفلاحات وهم سكارى بسيارة النجم رجب.

وبالصدفة يجلب رجب الى العوامة صحافية شجاعة هي سمارة «ماجدة الخطيب» لتكون بمثابة عامل محفز لأنيس لايقاظه مما هو فيه. فهدف الفيلم هو ايقاظ المجتمع وتحذيره من عوامل الترفيه الضارة كالمخدرات والخمور

4

والجنس الحرام وغيرها من الموبقات من أجل التغلب على الهزيمة التي تجلت صورها في بعض مشاهد الفيلم.

وفي «الكرنك» حرص المخرج على بدرخان (1975) على تجسيد النص الأدبي الذي كتبه نجيب محفوظ والسيناريو الذي أعده ممدوح الليثي ليكشف ما كان يدور في عهد جمال عبدالناصر من خلال مقهى الكرنك الذي يرمز إلى الاطار الحضارى لمصر والذي تم اختصاره في العصر الحديث إلى اسم مقهى تملكه إحدى الراقصات المعتزلات من ذوات العلاقات بالسياسيين في العهد البائد وعهد الثورة على حد سواء.

ويحكي الفيلم عن حالة الاستبداد السياسي والفكري والتعتيم الاعلامى الذي انتهجه نظام الحكم في ذلك العهد، حيث يتناول الفيلم قصة مجموعة من الشباب الجامعي الذي يتم اعتقاله دون جريمة بسبب التقائهم في هذا المقهى الذي عرف عنه تجمع بعض المفكرين فيه وتعرضهم أحيانا لنقد الثورة.

5

وفي المعتقل يتم تعذيبهم واجبارهم على الاعتراف بجرائم لم يرتكبوها، ويتم اجبار البعض منهم على العمل كجواسيس لصالح النظام وأجهزة الأمن داخل الجامعة وكتابة تقارير عن أي نشاط أو فكر معارض داخل أسوار الجامعة مما تسبب في تمزق الجبهة الداخلية وأدى إلى هزيمة مصر في 1967 واحتلال إسرائيل لسيناء مرة أخرى كما حدث في 1956 والتي تم انسحابها منها سياسيا بعد الموافقة على مرور السفن الإسرائيلية في خليج العقبة عبر مضيق تيران المتاخم لسيناء دون اعلان ذلك لشعب مصر بل علم الشعب ذلك بالصدفة عندما تم اغلاق مضيق تيران أمام السفن الإسرائيلية مما اعتبرته إسرائيل اعلانا للحرب وسبقت بضرب مصر في يونية 1967.

وينتهي الفيلم بقيام ثورة التصحيح في بداية عهد الرئيس أنور السادات وصدور قرار بالإفراج عن المعتقلين السياسيين وإذا بالضابط الكبير الذي كان يقوم بإصدار أوامر التعذيب وانتزاع الاعترافات الملفقة يدخل هو نفسه المعتقل، ثم الانتصار الساحق على إسرائيل في أكتوبر 1973 واسترداد سيناء مرة أخرى بالحرب والسلام.

وقد تعرض الليثي لهجوم واسع من الناصريين ومحبي ذلك العصر متهمينه بأنه وضع هذا السيناريو بتوجيه من السادات الذي كان قد بدأ حملة لتشويه اسم عبدالناصر ومحو فضائله.

وضم الفيلم نخبة كبيرة جدا من الفنانين الكبار ومجموعة من الشباب الذين اشتهروا بعد ذلك وأصبحوا من نجوم الصف الأول، ومنهم سعاد حسني، نور الشريف، محمد صبحي، شويكارن تحية كاريوكا، فايز حلاوة، عماد حمدي، فريد شوقي، صلا ذوالفقار، وغيرهم.

6

وقد اجمع الكثيرون على أن شخصية خالد صفوان «كمال الشناوي» رجل الامن المستبد هو تجسيد لشخصية صلاح نصر مدير المخابرات العامة المصرية السابق والذي تمت محاكمته في قضية انحراف المخابرات الشهيرة في اعقاب نكسة 67 ونهاية الفيلم بدخول خالد صفوان المعتقل هو أيضا ما حدث مع حدث مع صلاح نصر بعد ادانته في قضية انحراف المخابرات ومحاولة الانقلاب ويتم التلميح بقوة إلى أنه ابن أحد رجال القصر في عهد الملك مما يفيد استمرار القمع والفردية وراء ستار الحكم الاشتراكى.

أما فيلم «المذنبون» للمخرج الراحل سعيد مرزوق (1975) فقد منع من العرض فترة طويلة بسبب ما تضمنه من مشاهد صادمة بعد أن صنف للكبار فقط. ويصور الفيلم موت الممثلة سناء كامل «سهير رمزي» مقتولة في سريرها، ويبدأ المحقق في البحث عن القاتل، ويستدعى كل المدعوين الذين كانوا في بيتها ليلة مصرعها، ابتداء من خطيبها «حسن فهمي» الذي أبلغ بالجريمة بأنه سمع من يطعنها وهو يتصل بها هاتفيا، إلى ناظر المدرسة الذي سرب الامتحان «عماد حمدي»، ومدير الجمعية الذي يبيع السلع المدعومه للإغنياء ويوصلها لهم في البيوت «توفيق الدقن»، ورئيس شركة المقاولات الذي يساعد الممثلة في بناء العمارات، ويخون صديقه مع زوجته في نفس الليلة «صلاح ذوالفقار»، إلى الشاب الفحل الذي يبيع جسده للممثلة وهو في نفس الوقت يدبر خطه لسرقة خزينة أحدى المؤسسات «عادل أدهم»، كما أن هناك رجلا في قمة السلطة يتردد على فراش الممثلة من أجل قضاء وقت ممتع «كمال الشناوي».

7

ويتم القبض على كل من كانوا في الحفل بعد أن كشفت النيابة أن الجرائم التي ارتكبوها أثناء وجود الحفل، لا تقل عن جريمة قتل ممثلة في فراشها، حتى يكتشف المحقق اختفاء قرط ثمين كان مع الممثلة ويعرف أن صاحبته هى أم خطيبها الذي يعترف أنه قتلها بدافع الغيرة بعد أن رآها في الفراش مع رجل السلطة.

وكان «المذنبون» في طليعة الأفلام المصرية الراصدة للتحولات الإجتماعية المصاحبة لعصر الانفتاح الاقتصادي، وما اتصفت به من فساد صارخ وسقوط وصعود لطبقات وقوى مختلفة، وما صاحب هذا من صراعات وإنهيارات وإحباطات.

وقد أكتسب فيلم «المذنبون» شهرته من مشاهده الجنسية الجريئة وتدخل الحكومة والصحافة الحكومية وقتها لمعاقبة جهاز الرقابة على المصنفات الفنية على إجازته لهذا الفيلم، إلا أن الفيلم كان رائدا في ابتكار اسلوب سينمائي وفني وأدبي مصري جديد، حيث سينما النقد الإجتماعي والسياسي التي تعرض ريبورتاج سينمائي لفضاء واسع من الشخصيات والأحداث في إطار بوليسي تشويقي غير تقليدي، تتطور فيه القصة حتى تصل إلى نهايتها مع العقدة التي لا تنحل إلا بالإشتباك مع قلب التكوين الإجتماعي والسياسي نفسه، كما ظهر في مشهد النهاية.

8

ومن أعمال ممدوح الليثي أيضا (الحب تحت المطر، أميرة حبى أنا، لاشيء يهم، أمرأة سيئة السمعة، أنا لا أكذب ولكنى أتجمل، استقالة عالمة ذرة). كما أن له تجربة مسرحية من خلال مسرحية «إمبراطورية ميم» عام 1968، إلى جانب مجموعة من المسلسلات منها: (شرف المهنة، المتهم الرابع، لماذا أقتل، بلا شخصية، تاكسى، جريمة الموسم، الكنز).

وفي ذكرى رحيله، أعلن ابنه الإعلامي عمرو الليثى عن إطلاق جائزتين باسم والده.

وستخصص الجائزة الأولى لمهرجان الإسكندرية السينمائى وقدرها 50 ألف جنيه سنويا. أما الثانية فهي للمعهد العالى للسينما للثلاثة الأوائل وقدرها 15 ألف جنيه سنويا.

وأثنى عمرو الليثي على أعمال والده الراحل، وقال إنه قدم أعمالا خالدة ستظل فى وجدان المشاهد المصرى وسيذكرها التاريخ.  وأحيى عمرو الليثى ذكرى رحيل والده بصدور كتاب  «الليثى نهر لاينضب» من تأليف  السينارست عاطف بشاى، ويتناول مسيرة  الليثى السينارست الكبير وعملاق الدراما التليفزيونية، و مساهمته البارزة فى اقامة الصرح الاعلامى الكبير مدينة الانتاج الاعلامى ورئاسته  لجهاز السينما بها.

كما يتناول الكتاب بداياته حيث حصل على بكالوريس الشرطة، وكذلك ليسانس الحقوق من جامعة عين شمس عام 1960، كما حصل على دبلوم معهد السيناريو، عام 1964.

9

وكتب الليثي العديد من القصص على صفحات مجلتي (روز اليوسف) و(صباح الخير)، ثم عمل ضابط شرطة بين القاهرة والفيوم حتى عام 1967، لكنه ترك الشرطة واتجه إلى المجال الذي طالما عشقه وتنقل فيه بين عدة مناصب  في التلفزيون المصري، ومنها رئيس قسم السيناريو عام 1967، مراقب النصوص والسيناريو والإعداد عام 1973، مراقب على الأفلام الدرامية، عام 1979، مدير عام أفلام التليفزيون عام 1982، رئيس أفلام التليفزيون عام 1985، رئيس قطاع الإنتاج باتحاد الإذاعة والتليفزيون، عام 1985.

ولد ممدوح الليثي في الأول من شهر ديسمبر، وتوفي في الأول من يناير 2014 إثر أزمة صحية ألمت به.

وقد حاز على العديد من الجوائز أهمها: (جائزة الدولة التقديرية في الفنون من المجلس الأعلى للثقافة عام 1992)، و(جائزة من وزارة الثقافة عن عدة أفلام «السكرية» عام 1974، «أميرة حبي أنا» 1975، «المذنبون» عام 1976).

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى