«الممرضة الصالحة» فيلم إثارة نفسية عن قصة واقعية
«سينماتوغراف» ـ محمد صلاح
في عام 2013، نشر الصحفي الأميركي تشارلز جريبر، كتابه عن ممرض يُعتقد أنه متورط في قتل أكثر من 400 مريض في ولاية نيوجيرسي الأميركية، بين عامي 1998 و2003. بعد أن خدع العدالة 16 عاماً كاملة، قبل أن تُوقع به ممرضة تتمتع بشجاعة هائلة.
وهي القصة التي أخذها المخرج الدانماركي توبياس ليندهولم، ليصنع منها فيلم الإثارة النفسية، (الممرضة الصالحة ـ The Good Nurse)، الذي قدم “دراما جريمة حقيقية تقشعر لها الأبدان، توالت آثارها المُروّعة بدون أي تلاعب، مما اعتدناه غالباً في هذه النوعية من الأفلام”.
الفيلم الذي يُنتظر عرضه على منصة “نتفليكس”، في 26 أكتوبر القادم، عرف طريقه إلى مهرجان تورونتو السينمائي الدولي كواحد من أفضل العروض السينمائية لهذا العام، وقوبل بحفاوة من النقاد، الذين توقعوا العديد من الجوائز لنجميه الرئيسيين، جيسيكا شاستين، و إدي ريدماين، وسيعرض ضمن فعاليات مهرجان نيويورك السينمائي.
إيمي لوغرين (جيسيكا شاستين)، الأم العازبة الشديدة الجدية، المُحبة لأطفالها؛ والممرضة الجيدة المُنتبهة في وظيفتها، الحريصة على رعاية الآخرين رغم مرضها، في تجسيد لمعاني التفاني والرحمة.
تعاني إيمي من مرض في القلب يسبب لها نوبات متكررة من صعوبة التنفس، ويتوقع طبيبها أن تكون معرضة لخطر الموت في أي وقت، إذا لم تُجر عملية جراحية لزراعة قلب، بشكل عاجل جداً.
لكن، لأنه لا يزال أمامها عام كامل لتستحق الحصول على تأمين صحي يسمح لها بإجراء الجراحة، فليس أمامها إلا مواصلة العمل، بغض النظر عن الألم والضغوط التي يسببها لها مرضها، الذي يجعل من الصعب عليها القيام بمهام جسدية شاقة؛ كالتعامل مع جسد مريض في غيبوبة، أو صعود الدرج، بالإضافة إلى مواجهة الحالات الحرجة، والوفيات المستمرة وغير المبررة في مكان عملها.
لم يلاحظ أي من زملاء إيمي ما تعانيه، أو يهتم بالصعوبات التي تواجهها؛ فقط تشارلز كولين أو تشارلي (إدي ريدماين)، الممرض الجديد “طيب القلب” في وحدة العناية المركزة؛ كان هو أول من قفز بحماس لتقديم المساعدة، وخاطر بتسريب الأدوية اللازمة لعلاجها من صيدلية المستشفى خلسة. وبدا من نوع الشخص الذي تتمنى إيمي أن يكون مسؤولاً عنها عند الحاجة؛ كأنه “هبة من السماء، يرعى بناتها، ويطبخ لها”.
يتعرف الاثنان على بعضهما البعض، ويطوران رابطة صداقة قوية، ويصبح تشارلي جزءاً محبوباً ومفيداً من عائلة إيمي الصغيرة. حتى يَصعُب تخيل أن هذا الرجل الذي يعيش معظم يومه كممرض مثالي، يحرص على ارتداء سترات دافئة فوق ملابسه، ويبدو منتبها جدا لراحة وكرامة المرضى، يمكن أن يرتكب أي خطأ، ناهيك عن إلحاق الأذى المتعمد بأحد.
يظل الأمر عادياً حتى يموت أحد المرضى المسنين، ويشعر مديرو المستشفى أن هناك شيئاً ما، حتى لو لم يكونوا متأكدين من ماهيته. لكنهم يضطرون لإبلاغ الشرطة بعد 7 أسابيع من الوفاة، ويشعر المحققون بالحيرة عندما يعلمون أن الجثة قد احترقت، ويشتبهون في ارتكاب مخالفة، ولكن بدون أن يجدوا قضية يمكن ملاحقتها في النهاية.
في هذه الأثناء، تومض أضواء التحذير للمشاهد عندما يشير تشارلي إلى الوظائف التي شغلها، أو البلدات السابقة التي عاش فيها، أو يشتكي من أن زوجته السابقة لن تسمح له برؤية أطفالهما، وكيف كانت بعض الأشياء التافهة في عمله السابق تتسبب في قيام شخص ما بتقديم شكوى زائفة عنه. ويظل تشارلي يسرد هذه الأخبار والمواقف متعمداً تجاهل التفاصيل، إما لتجنب الإحراج، أو بدافع التواضع والظهور بمظهر من لا يريد أن يكون مثارا للاهتمام.
لكن الشائعات تبدأ في الانتشار حول الوفيات الغامضة في المستشفيات التي عمل بها من قبل، وكيف كان يتنقل من وظيفة لأخرى، ليحقن الأنسولين والأدوية القاتلة في أكياس المرضى الوريدية، لإحداث وفيات عشوائية وسريعة.
وذلك بالتزامن مع توظيف السيناريو لمشاهد إجرائية اجتماعية سياسية، تفضح بكفاءة الفساد الكامن في هذا المستشفى وغيره من المستشفيات الهادفة للربح؛ حيث التخلص من المرضى المتوفين ببساطة ودفنهم بهدوء، بدون ذكر أسباب الوفاة، أو الاعتراف بأية مشكلة.
ويصبح تشارلي المشتبه به الرئيسي في سلسلة من الوفيات غير المُبررة للمرضى، وتجد إيمي نفسها في أكثر المواقف خطورة في حياتها، حيث تخاطر ليس فقط بحياتها المهنية بل بحياتها وعائلتها من أجل فعل الشيء الصحيح، وتتطوع للعب دور العميل السري، بدون أن يشعر تشارلي بشيء، ومن دون أن تسمح لرؤسائها بمعرفة أنها تساعد المحققين، للبحث في أنواع مختلفة من الأدلة، نظراً لعدم وجود جثة لفحصها.
لكن تشارلي الذي جعله اضطرابه النفسي لا يتردد في التهديد، حتى في أجواء الصداقة؛ يضعنا أمام مشهدين واضحين لتهديده عائلة “إيمي”، لدرجة تجعلها تبدو وكأنها على وشك الانهيار؛ قبل أن يحدث أمر لا مفر منه، يُجبر تشارلي على مواجهة الشرطة.
استخدم ليندهولم في أول أعماله الواقعية المؤلمة باللغة الإنجليزية، أسلوباً فعالاً للغاية وأكثر دقة في الإثارة، يجعلنا نكتشف الحقيقة المروعة تماماً مع جيسيكا شاستين، وإدي ريدماين، نجما الأوسكار؛ جنباً إلى جنب مع نص دقيق أبدعته كريستي ويلسون كيرنز، التي رُشحت لجائزة أوسكار عام 2020 عن فيلم “1917”، والتصوير السينمائي الصامت لجودي لي ليبس.
كما يتجنب تشارلي كليشيهات القاتل النفسي، ويُظهر ألماً عميقاً ومُقنعاً؛ في الوقت الذي تخبرنا فيه العناوين الختامية بعدد الأشخاص الذين قتلهم، والمدة التي عمل فيها بدون أن يوقفه أحد، رغم كل الشكوك القوية. لتبقى “الضحية الحقيقية لجرائمه، ليس أي أحد من المرضى فحسب، بقدر ما هي المسكينة إيمي، وما لحق بها من خسائر”.