ذكريات وكواليس مثيرة : 60 عامًا على تصوير الفيلم العالمي «كليوباترا» في مصر
«سينماتوغراف» ـ منى حسين
شهدت المراحل المختلفة لإنتاج الفيلم التاريخي ”كليوباترا” (1963) من الأحداث والتطورات والمفارقات، ما يصلح لقصة فيلم لا تقل إثارة عن قصة الفيلم نفسه، وقد استغرق إنتاج هذا الفيلم أكثر من ثلاث سنوات صورت مشاهد منه في مصر، وسجل رقماً قياسياً في التكاليف، ودفع لبطلته إليزابيث تيلور أعلى أجر سينمائي حتى تاريخ إنتاجه، ووضع الإستوديو المنتج على حافة الإفلاس، وتغير عدد كبير من ممثليه الأصليين، وتعرض لمشاكل غير مسبوقة في تاريخ الإنتاج السينمائي.
بدأت فكرة إنتاج فيلم ”كليوباترا” في أواخر خمسينيات القرن الماضي بعد أن تعرض أستوديو فوكس للقرن العشرين لخسائر مالية جسيمة نتيجة فشل عدد من أفلامه ضخمة الإنتاج. وتم البحث في مكتبة الاستوديو عن نص فيلم قديم أثبت نجاحه لإعادة إنتاجه. ووقع الاختيار على نص فيلم ”كليوباترا” (1917)، وهو من أكثر الأفلام الصامتة نجاحاً.
ومن المفارقات أن ميزانية الفيلم الأصلية البالغة مليوني دولار تصاعدت إلى 44 مليون دولار، نتيجة العديد من القرارات والتطورات غير المتوقعة، وهو أعلى مبلغ ينفق على إنتاج فيلم سينمائي حتى ذلك الوقت. ويقدر هذا المبلغ بأكثر من 300 مليون دولار بالقيمة التضخمية الحالية للدولار.
وكانت الممثلة جون كولنز الخيار الأول لتجسيد كليوباترا، ثم استبدلت بالممثلة أودري هيبيرن ثم بالممثلة سوزان هيوارد، قبل أن يسند هذا الدور للممثلة إليزابيث تيلور. ومن المفارقات أن المنتج السينمائي والتر وانجر أجرى اتصالا هاتفياً مع إليزابيث تيلور في العام 1959 لكي يعرض عليها بطولة الفيلم، إلا أنها كانت مشغولة وقام زوجها آنذاك المغني إيدي فيشر بالرد على المكالمة ونقل إليها ذلك العرض، فقالت لزوجها على سبيل المزاح ”قل له إنني سأقبل الدور لقاء مليون دولار”، فرد عليه المنتج بالموافقة على الفور.
ومما قالته إليزابيث تيلور حول هذه الحادثة في ما بعد ”إذا كان هناك شخص مغفل مستعد لأن يدفع لي مليون دولار للظهور في الفيلم، فسوف لن أكون مغفلة مثله وأرفض عرضه”. وفي الحقيقة أن عقد إليزابيث تيلور مع الأستوديو منحها عشرة بالمائة من إيرادات الفيلم بالإضافة إلى مبلغ المليون دولار، وبلغ دخلها من الفيلم بحلول العام 1966 سبعة ملايين دولار بعد أن كسبت قضية في المحكمة ضد الأستوديو.
بدأ تصوير مشاهد فيلم ”كليوباترا” في لندن في العام 1960 بعد أن أقيمت تابلوهات وديكورات ضخمة ومكلفة. إلا أن إليزابيث تيلور تعرضت لحالة صحية خطيرة كادت تودي بحياتها، ما أدى إلى توقف التصوير كليا لأنها تظهر في كل مشهد من مشاهد الفيلم تقريباً. وأدى ذلك إلى استقالة المخرج الأول للفيلم روبين ماموليان في أوائل العام 1961، والذي حل محله المخرج جوزيف مانكيويكز، وتبعه عدد من الممثلين بسبب ارتباطهم بأفلام أخرى، وبينهم بطلا الفيلم الأصليان ستيفين بويد وبيتر فينش اللذان حل محلهما الممثلان ريتشارد بيرتون وريكس هاريسون.
إلا أن إليزابيث تيلور لم تستطع مواصلة العمل في لندن بعد شفائها بسبب الحالة الجوية في لندن، وتقرر عندئذ نقل عملية إنتاج الفيلم بأكملها إلى روما، وتم تدمير التابلوهات المكلفة في لندن وبناؤها من جديد في روما، ما أدى إلى الزيادة المتصاعدة في التكاليف.
ومما زاد هذه التكاليف أن موظفي وعمال استوديوهات سينيسيتا التي استؤنف فيها التصوير في روما قاموا بسرقة أجهزة ومعدات للفيلم بلغت قيمتها ملايين الدولارات، وأضربت ممثلات الكومبارس اللاتي قمن بأدوار خادمات وعبدات كليوباترا بسبب تعرضهن لمضايقات جنسية من الممثلين الكومبارس، كما أعيد تصوير مشهد دخول موكب كليوباترا إلى الإسكندرية الذي شارك فيه الألاف من الكومبارس بعد أن ظهر في اللقطة الأصلية أحد ممثلي الكومبارس وهو يبيع المثلجات لزملائه. وأعيد بناء مشهد الإسكندرية ثلاث مرات. واستخدمت إليزابيث تيلور في الفيلم 65 زياً بتكلفة بلغت 000195 دوالر195 ألف دولار، وكان أحد هذه الأزياء من الذهب الخالص.
ومما أسهم في زيادة تكاليف إنتاج الفيلم أن بطلي الفيلم إليزابيث تيلور وريتشارد بيرتون دأبا على التأخر في الوصول إلى مواقع التصوير بعد أن نشأت بينهما علاقة حميمية، علماً بأنهما كانا متزوجين من شريكين آخرين، وطلقا منهما وتزوجا في العام 1964 ولكنهما طلقا بعد عشر سنوات ثم تزوجا مرة أخرى وطلقا بعد أقل من عشرة أشهر. ورفع أستوديو فوكس قضية ضدهما حملهما فيها مسؤولية التكاليف الإضافية، وقاما بالرد برفع قضية على الأستوديو.
وقد استعاد فيلم ”كليوباترا” خسائره وحقق بعض الأرباح خلال السنوات اللاحقة، منها خمسة ملايين دولار لقاء عرضه على التلفزيون مرتين في العام 1963، وخمسة ملايين دولار أخرى من الحقوق التلفزيونية في العام 1973. وقد أغلق أستوديو فوكس الملف المالي للفيلم وأحاطه بسرية تامة لتجنب دفع نسبة من الأرباح لمن يستحقون ذلك.
وأخيراً وليس آخراً فقد قام الأستوديو بطرد المخرج جوزيف مانكيويكز بعد الانتهاء من تصوير مشاهد الفيلم، إلا أنه اضطر لإعادته إلى العمل لإكمال مونتاج الفيلم بعد أن اكتشف الأستوديو عدم وجود سجل لجدول تصوير مشاهد الفيلم، وأدرك أن مخرجه هو الشخص الوحيد القادر على إنجاز مهمة المونتاج. ومما قاله المخرج جوزيف مانكيويكز عن فيلم ”كليوباترا” إنه ”أصعب ثالثة أفلام قمت بإخراجها في حياتي”. يشار إلى أن طول فيلم ”كليوباترا” بلغ أكثر من أربع ساعات عند عرضه، علماً بأن طوله الأصلي بلغ 5.5 ساعة.