حلقات يومية يكتبها ناصر عراق لـ «سينماتوغراف»
الجمهور يهجر السياسة ومكائدها ويشاهد فتحية أحمد في رمضان 1944
يبدو أن المصريين أدركوا في عام 1944 أن الألمان خاسرون، وأن الإنجليز سينتصرون في الحرب العالمية الثانية الدائرة بين الكبار، فأصابهم إحباط لأن بعضهم اعتقد أن انتصار الألمان يعني تحررهم من الاحتلال البريطاني، وهو ما لم يحدث، إذ إن الذين آل لهم حكم مصر كانوا منشغلين بإدارة التنافس بينهم أكثر من إدارة مصالح شعب يحلم بالتحرر، لدرجة أن الصراع بين الملك فاروق وحكومة حزب الوفد برئاسة النحاس باشا كان قد وصل إلى حدوده القصوى، وقد سعى فاروق للإطاحة بالحكومة وتكليف أحمد حسنين باشا رئيس الديوان الملكي بتشكيل حكومة جديدة، وبالفعل استدعى الملك فاروق كيلرن السفير البريطاني بالقاهرة – الحاكم الفعلي لمصر آنذاك – ليبلغه بهذا الأمر!.
لم يعجب تشرشل رئيس وزراء بريطانيا رغبة فاروق في الإطاحة بحكومة النحاس، فكتب إلى سفيره رافضا أي تغيير للوزارة لأنها تمثل الأغلبية، ولأنها ساندت الإنجليز في الحرب، وأضاف رئيس وزراء بريطانيا بلغة فاضحة وساخرة: (من الأفضل تأييد إدارة ديمقراطية ضد عصابة قصر يرأسها مستبد شرقي أثبت في كل مناسبة أنه صديق هزيل لبريطانيا) كما جاء في كتاب (فاروق من الميلاد إلى الرحيل) للدكتورة لطيفة محمد سالم.
في هذه الأجواء الغامضة وصراعات القصور تأكد المصريون أنهم أخطأوا الحساب، وأن الألمان لن ينتصروا، وأن الإنجليز «كابسين على أنفسهم»، ففروا إلى السينما ليخففوا من سطوة أحزانهم، وهكذا راحوا ينتجون ويمثلون ويشاهدون ويستمتعون!
(حنان) هو الفيلم الذي عرض في شهر رمضان من عام 1944، وبالتحديد في 22 رمضان، حيث استقبل المصريون أول أيام الشهر الفضيل في 20 أغسطس من ذلك العام، أما فيلم (حنان) فقد عرض في 11 سبتمبر بسينما الكورسال، والفيلم كتب له القصة والسيناريو وأخرجه كمال سليم، وبطولة فتحية أحمد مطربة القطرين صاحبة الأغنية البديعة (يا حلاوة الدنيا يا حلاوة)، ويشاركها التمثيل إبراهيم حمودة وتحية كاريوكا وسراج منير وعبد الفتاح القصري.
أما آخر أيام رمضان فقد عرض فيلم (وحيدة) للمخرج إبراهيم لاما، وبطولة شقيقه بدر لاما وبدرية رأفت وبشارة واكيم، وللأسف لا تعرض القنوات الفضائية هذين الفيلمين!
لقد وضح لصناع السينما أن نيران الحرب في طريقها إلى الانطفاء، وأن الموانئ ستنقل البضاعة والسلع بين الدول المختلفة دون خوف من غارات أو رعب من قصف، الأمر الذي جعلهم ينتجون ويعرضون 23 فيلمًا جديدًا بزيادة تسعة أفلام عن العام السابق 1943.
المدهش أن نجوم السينما في ذلك العصر البعيد تألقوا على الشاشة الفضية في تلك السنة، فعبد الوهاب قدم فيلمه السادس (رصاصة في القلب/ للمخرج محمد كريم وقد عرض في 17 مارس)، ويوسف وهبي شغل الناس بأفلامه الأربعة التي كتبها وأخرجها بطريقته المعروفة، فاستقبلها الجمهور بحماسة وهي بترتيب زمن العرض في عام 1944 (برلنتي/ سيف الجلاد/ ابن الحداد/ غرام وانتقام). وليلى مراد أبكت الناس في (ليلى في الظلام/ عرض في 24 فبراير)، وأنور وجدي ظل يمارس هوايته المفضلة في (كدب في كدب/ عرض في عيد الفطر المبارك الموافق 21 سبتمبر من سنة 1944).
على أية حال.. لم تستطع السياسة وفوضاها أن تحرم الناس من متعة مشاهدة الأفلام، وهي متعة تسيل في الوجدان بغير حساب!.
