شادية .. «دلوعة السينما» التي عبرت عن الروح المصرية
«سينماتوغراف» ـ محمود درويش
«ياعينى ياعينى ياعينى ع الولد.. الواد ابو قلب لين صبح غير الولد.. ضاع منه قلبه الطيب وسط صراخ البلد».. بهذه الكلمات في فيلم «شئ من الخوف» والتي كتبها الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودي، ولحنها الموسيقار الراحل بليغ حمدي، .. استطاعت المطربة الكبيرة «شادية» بصوتها الأخاذ أن تعبر عن مضمون الفيلم وتحول بطله طيب القلب إلى وحش كاسر ليخسر حبها الكبير.
ويعد دور «فؤادة» في هذا الفيلم أهم أدوار «شادية» على مدار تاريخها في السينما، التي اقتحمتها بقوة كمطربة احيانا وممثلة قديرة أحيانا أخرى، وجامعة بين الاثنين في أحيان كثيرة.
وقد أحسن مخرج الفيلم حسين كمال توجيه شادية ومحمود مرسي وكامل أبطاله ليعزفوا سيمفونية رائعة بادائهم العالي حيث نجحوا في نقل رسائله إلى المتلقين بسهولة كبيرة.
استحقت بالفعل فاطمة أحمد كمال شاكر المعروفة باسم «شادية»، لقب «دلوعة السينما»، وكانت المطربة المرحة خفيفة الظل، التي بدأت اليوم الثامن من فبراير عامها السابع والثمانين، حيث ولدت في مثل هذا اليوم عام 1929.
وتعد شادية أكثر المطربين- الرجال والنساء- الذين استفادوا من السينما وأفادوها، حيث دخلتها لأول مرة في عمر الثامنة عشرة وذلك في عام 1947 في فيلم «العقل في اجازة» من إخراج حلمي رفلة بعد ان كانت قد سبقتها أختها «عفاف» إلى الأستوديوهات للعمل مع المجاميع.
وقد ذهبت «شادية» إلى ابعد مدى بقبولها تحدي تقديم أفلام دون غناء أي كممثلة فقط، ومنها على سبيل المثال «اللص والكلاب»، و«ميرامار» وغيرهما.
ومنذ بدايتها، كان لها خطها الواضح من خلال تأدية أدوار البنت الدلوعة خفيفة الظل. وخلال فترة الخمسينيات تعاونت شادية عدة مرات مع الفنانة فاتن حمامة من خلال أفلام «موعد مع الحياة، أشكي لمين». وبدأت بالتدريج في التغلب على نوعية الأدوار التي تقدمها في السابق لتقدم أدوارا مختلفة كليا عما سبق من خلال عدة أفلام مثل: «بائعة الخبز، ليلة من عمري، دليلة، المرأة المجهولة».
وفي الستينيات كونت ثنائيا ناجحا للغاية مع الفنان صلاح ذو الفقار – زوجها في ذلك الوقت- من خلال مجموعة من الأفلام منها: «عيون سهرانة، أغلى من حياتي، كرامة زوجتي، مراتي مدير عام، عفريت مراتي». كما قدمت في نفس الحقبة أربعة أفلام مقتبسة عن أربع روايات لنجيب محفوظ، وهى: «اللص والكلاب، «ميرامار، «الطريق، «زقاق المدق».
وكان محفوظ دائما ما يقول«إنها افضل من تعبر عن الروح المصرية. وقد حاولت طوال مسيرتي الأدبية أن اعبر عن هذه الروح من خلال الرواية والقصة، وشادية تعبر عنها غناء وتمثيلا».
لم تدرس شادية التمثيل، لكن موهبتها الفطرية الطاغية جعلتها تشق طريقها إلى السينما بسرعة الصاروخ.
ويحكي الموسيقار الراحل محمد فوزي الذي كان من بين مكتشفيها أنها دخلت الاستوديو ذات مرة حين كان يجري بروفة على احد الحانه واذا بها تستوقفه وتبدي ملاحظة على اللحن بخفة روح وتغني الجملة المقترحة بطريقة افضل. ويضيف إن أذنيها تلتقط الموسيقى أفضل من بعض الملحنين.
في أواسط الخمسينيات وطيلة فترة حكم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر مثلت شادية، كما قال الكاتب الراحل أحمد بهاء الدين، الروح المصرية الجديدة وكانت افضل تعبير عن تطلع المجتمع لقيم جديدة تجعل المرأة أكثر مشاركة وانفتاحا وتحررا من قيم بالية.
وفي السبعينيات تناقص عدد الأفلام التي شاركت بها، وكان آخر أفلامها هو «لا تسألني من أنا» عام 1984مع يسرا، ثم اعتزلت شادية الفن وارتدت الحجاب في منتصف الثمانينيات. وقالت عن اعتزالها: «لأننى فى عز مجدى أفكر فى الاعتزال لا أريد أن أنتظر حتى تهجرنى الأضواء بعد أن تنحسر عنى رويدا رويدا… لا أحب أن أقوم بدور الأمهات العجائز فى الأفلام فى المستقبل بعد أن تعود الناس أن يرونى فى دور البطلة الشابة.. لا أحب أن يرى الناس التجاعيد فى وجهى ويقارنوا بين صورة الشابة التى عرفوها والعجوز التى سوف يشاهدونها.. أريد أن يظل الناس محتفظين بأجمل صورة لى عندهم ولهذا فلن أنتظر حتى تعتزلنى الأضواء وإنما سوف اهجرها فى الوقت المناسب قبل أن تهتز صورتى فى خيال الناس».
قدمت شادية ما مجموعه 117 فيلما، من بينها مجموعة من الأفلام الكوميدية الناجحة مثل «انت حبيبي» مع فريد الأطرش، «مراتى مدير عام»، مع صلاح ذوالفقار، و«عفريت مراتى» مع ذوالفقار أيضا، و«نصف ساعة جواز» مع عادل إمام ورشدي أباظه، و«الزوجة رقم 13 » مع أباظة أيضا.