المهرجاناتالمهرجانات العربيةسينما إماراتيةسينمانامراجعات فيلميةمهرجان أبو ظبيمهرجاناتنقد
علي مصطفى.. تحت شمس السينما
علي مصطفى.. تحت شمس السينما
“سينماتوغراف” – أبو ظبي: بشار إبراهيم
منذ فيلمه الروائي القصير الأول «تحت الشمس» (2005)، الذي كان في الوقت نفسه فيلم تخرّجه، بدا واضحاً أن لدى المخرج الإماراتي الشاب علي مصطفى ما يحكيه سينمائياً، مؤشّراً إلى عزمه المغايرة عما كان بدا منتشراً في كثير من التجارب الفيلمية التي كان يخوضها مجايلوه من مخرجين سينمائيين إماراتيين، وجدوا الفرصة للولادة والانطلاق عبر «مسابقة أفلام من الإمارات» (2001)، خاصة لناحية الاقتراب ما هو يومي وحياتي راهن، في بلد لم تكن قد تبلورت صورته سينمائياً، بعد.
لا يعود «تحت الشمس» إلى الماضي العتيد، ولا تشغله موضوعات الاحتفاء بالتراث والأصالة، ولا ينصت إلى حكايا الجدّات، ما بين الواقع والأسطورة، أو تناول القضايا الكبرى والمصائر الوجودية وهاجس، تلك التي بدت أبرز عناوين أفلام مجايليه، بل يكتفي في وقت مبكّر من عمر الأفلام الإماراتية برصد وقائع يومية من حياة فتيان ويافعين إماراتيين، وهمومهم الصغيرة، التي تبدو من بعيد شأناً عابراً، ولكنه جدير بأن يُقصّ سينمائياً، في إعلان عن ولادة سينمائي إماراتي آخر.
حينها كانت معالم الدرب تترسّم، وكان جيل من شباب الإمارات بدأ الرحيل صوب الغرب (أوروبا وأميركا)، أو الشرق (أستراليا والهند)، في مسعى لدراسة السينما؛ إخراجاً وإنتاجاً، فاختار علي مصطفى (1981)، الذهاب لدراسة السينما في بريطانيا (مدرسة لندن للفيلم)، عام 2003، مستفيداً أو متكئاً على واقعه الاجتماعي العائلي، ووضعيته الاقتصادية، التي ستدفعه سريعاً إلى انتهاج سبيل المزج ما بين صناعة الفيلم وإنتاجه، وإدراك أن السينما كما هي فن وإبداع، فهي كذلك صناعة وتجارة، ولابد لها من هاتين القائمتين.
عزّز من ذلك الاعتبار الفني الذي لاقاه وفيلمه، حيث فاز «تحت الشمس» بجائزة من «مسابقة أفلام الإمارات» (2006)، ونال هو شخصياً جائزة أفضل مخرج إماراتي شاب، من «مهرجان دبي السينمائي الدولي» (2007)، ما جعله على مفتتح الدرب نحو صناعة فيلمه الروائي الطويل الأول، الذي لن يتأخّر كثيراً، ليكون فيلم «دار الحي» (2009).
ليس من السهل على مخرج سينمائي شاب، في بلد لا تقاليد سينمائية فيه، أن يتمكّن من صناعة فيلم روائي طويل، خاصة إذا كان من طراز فيلم «دار الحي» (City of Life)، الذي وضع لنفسه عتبة عالية الطموح، سواء على المستوى الإنتاجي، والفني، والتقني، أم الحكائي، إلى درجة أنه يبدو اليوم تجربة غير قابلة للاستعادة، ولا للتكرار، لما فيه من إرهاق إنتاجي لا يتحمّله السوق السينمائي الإماراتي، وكذلك الخليجي، وخاصة مع ضيق الخيارات العربية والعالمية، لفيلم إماراتي وليد.
ينتمي فيلم «دار الحي» إلى طراز الإنتاجات الضخمة، عزّزتها الحكاية المتشابكة التي تدور وقائعها في إمارة دبي، الآن وهنا، في احتفالية بصرية باذخة، تجدل الخيوط البشرية التي تكوّن نسيج المواطنين والمقيمين، في تقاطعات درامية نبيهة، يقصّ علينا مصطفى من خلالها تفاصيل من «دار الحي» اليوم، منطلقاً مع بطليه الإماراتيين الشابين، مروراً بالهندي، والأوروبي، منتقلاً من الأبراج العالية، والقصور الفارهة، والبيوت الفاخرة، إلى العشش الواطئة، وأسقف الصفيح، والحارات الضيقة… ومن الغنى الفاحش، إلى الفقر المدقع، وضيق ذات اليد، وضنك العيش… تتجاور وتتقاطع في بقعة واحدة، إلى درجة تكاد تجعل من الفيلم نقداً لنموذج دبي، أكثر مما هو احتفاء به.
وفي وقت أمكن لفيلم «دار الحي»، بعد عرضيه في مهرجاني «دبي السينمائي»، و«الخليج السينمائي»، أن يمرّ سريعاً إلى صالات العرض السينمائي المحلية، الإماراتية والخليجية، محفوفاً ومدعوماً بحملة إعلانية ودعائية، يُمضي المخرج علي مصطفى فترة أطول، ريثما يظهر توقيعه على فيلم روائي طويل ثانٍ، بعنوان «من ألف إلى باء» (2014)، تشاغل خلالها بسلسلة تلفزيونية (Classified)، لصالح قناة «إم.بي.سي» (2011)، وفيلم روائي قصير بعنوان «لا تحكم على موضوع من خلال صورة» (2013)، عُرض في «دبي السينمائي»، في دورته الأخيرة.
بفليمين روائيين طويلين، ومثلهما قصيرين، ومع اشتغال في صناعة الأفلام والبرامج والإعلانات، وحضور في غير ندوة وحوار وملتقى وورشة عمل، وبانفتاح على التعاون مع منتجين وكتّاب سينمائيين عرب (المصري محمد حفظي، اللبناني بول بابوجيان)، ومع منتجين وكتّاب سينمائيين أجانب (كما في «دار الحي»)، يبني المخرج علي مصطفى صورته الخاصة التي يريدها لنفسه في سياق السينما الإماراتية، أو بمحاذاها، لعل من أهمّ ميزاتها حرفيته الفنية والتقنية البادية، وقدرته ومغامرته الإنتاجية، وانتمائه إلى نسق صناعة الأفلام السينمائية التي تبحث عن طريقها إلى صالات العرض الجماهيري، وعدم الاكتفاء بالعروض المهرجاناتية، هذا الذي يؤكده فيلم «من ألف إلى باء»، الذي عُرض في افتتاح الدورة الثامنة من «مهرجان أبوظبي السينمائي» (مساء 23 أكتوبر 2014)، ونعتقد أن إطلالته على شاشات صالات العرض الجماهيري، لن تتأخّر.