«عنكبوت مقدّس».. وجه إيران الآخر في «كان السينمائي»
كان ـ «سينماتوغراف» : منى حسين
قدّم المخرج الدنماركي من أصل إيراني علي عبّاسي في فيلمه “عنكبوت مقدّس ـ Holy Spider“، المشارك في مهرجان كان السينمائي، صورةً مختلفةً عن الجمهورية الإسلاميّة، إذ يتناول قصّةً حقيقيّةً عن قاتلٍ سفّاحٍ تستهدف سلسلة جرائمه بائعات الهوى في مدينة مشهد، وتحظى عمليات “التنظيف” التي ينفّذها باسم الدين تأييد السكان.
استلهم المخرج أحداث فيلمه من سلسلة من الجرائم وقعت قبل عشرين عاماً في مشهد، إحدى أبرز المدن المقدّسة لدى المسلمين الشيعة، ويروي قصّة مرتكبها الذي برّر قتله 16 بائعة هوى بأنّه أراد تطهير شوارع المدينة من الرذيلة.
في الفيلم، يجوب القاتل، الملقّب بالعنكبوت، على درّاجته الناريّة شوارع مشهد، التي تبدو أشبه بمدينة الخطيئة في فيلم “سِن سيتي” الشهير، إذ تنشط فيها الدعارة وتنتشر المخدّرات، نظراً إلى وقوعها على طرق التهريب الرئيسيّة من أفغانستان، وغالباً ما يكون مصير بائعات الهوى اللواتي يركبن معه الموت خنقاً في شقته.
وبعد أن يرمي جثثهن على قارعة الطريق، يتّصل السفّاح هاتفياً بنفس الصحافي في كلّ مرّة ليعلن مسؤوليّته عن الجريمة.
من جهتها، لا تبدو الشرطة مستعجلةً للوصول إليه، حتّى تقرّر صحافيّة شابّة من طهران تعقّب “العنكبوت” بنفسها وجعله يدفع ثمن جرائمه.
وقال عباسي في المؤتمر الصحافي اليوم عقب عرض فيلمه أمس: “لا أشعر بأنّه فيلم مناهض للحكومة أو فيلم لناشط، فالصورة التي ينقلها ليست بعيدة من الحقيقة”.
وأضاف: “إذا كانت لدى أيّ شخص مشكلة (مع الفيلم الذي يُظهر بشكل صريح واقع الجنس والمخدرات وكراهية المجتمع للمرأة)، تكون مشكلته مع الواقع، لا معي”.
وبطبيعة الحال، لم يتمكن مخرج فيلم “بوردر”، الذي برز من خلاله في مهرجان كان في العام 2018، من تصوير عمله الجديد في المدينة المقدّسة أو في إيران، إذ لم يتلقّ أيّ ردٍّ على طلباته للحصول على أذونات التصوير.
وأشار عباسي إلى أنّ طاقم الفيلم بدأ عمله في تركيا، قبل أن يُبعد منها نزولاً عند ضغوط السلطات الإيرانية، ممّا دفعه إلى نقل التصوير إلى الأردن، حيث أعيد تكوين الديكورات. وأضاف: “من السهل جدّاً في رأيي القول إن المخرجين الموجودين في إيران لا يظهرون الواقع”، رافضاً “الحكم عليهم، لأن كل فيلم يُصنع في إيران هو معجزة”.
وينافس عبّاسي مع مخرج إيرانيّ آخر، هو سعيد روستايي، على السعفة الذهبية، فيما تضمّ لجنة التحكيم مواطنهما المخرج الحائز جوائز عدّة أصغر فرهادي.
ويؤدي الممثّل الإيرانيّ مهدي بجستاني دور القاتل في “عنكبوت مقدّس”، وهو شخصية ذات وجهين، إذ إنّه ربّ عائلةٍ متديّن وهادئ في النهار، ومضطرب نفسيّاً في الليل. كذلك، استعان المخرج بالممثّلة التلفزيونيّة زهراء أمير إبراهيمي، التي غادرت إيران ولجأت إلى فرنسا بعدما أفسد “فيديو فاضح” حياتها المهنيّة.
ولا ينتهي الفيلم بتوقيف السفّاح، بل يبرز القسم الثاني منه تفاصيل محاكمته التي يُبرر خلالها أفعاله بدوافع دينية.
يتناول الفيلم موقف القضاة المُحرَجين نظراً إلى تأييد كثرٍ لجرائم “العنكبوت” واعتبارهم إيّاها “تضحية”، قبل توصّلهم إلى إعلان حكم الإعدام.
وشبّه المخرج “النظام القضائي في إيران” بأنّه “مسرحية سخيفة”، و”برنامج تلفزيوني يستطيع فيه (كتّاب السيناريو) الحصول على النتيجة التي يريدونها للشخصيات”.