فيلم واحد يكفى.. ثروت أباظة و «شئ من الخوف»
«سينماتوغراف» ـ محمود درويش
لم يكن «شئ من الخوف» فيلما عاديا تشاهده وتنسى تفاصيله مع الوقت، وانما كان ولازال أحد الأفلام المهمة فى ذاكرة السينما المصرية، وأحد كلاسيكيات الفن السابع وقد احتل المركز الـ19 ضمن قائمة أفضل مائة فيلم فى تاريخ السينما المصرية، وهو الفيلم الذى آثار ضجة كبيرة خلال فترة حكم الرئيس جمال عبد الناصر وتقرر منع عرضه، ولم يفرج عنه الا بعد أن شاهده الرئيس شخصيا ووافق على عرضه لينقذه من البقاء حبيس العلب، لكن لماذا واجه الفيلم الرفض من البداية؟
أحداث الفيلم تدور داخل احدى القرى المصرية حيث يفرض عتريس «يؤدى دوره الممثل العملاق محمود مرسى» سلطته على أهالي القرية ويرغمهم على دفع الإتاوات، ويمارس سطوته على الجميع، عتريس المغتر بنفوذه يقع أسيرا لحب فؤادة منذ نعومة أظفاره «تجسد شخصيتها شادية» لكن فؤادة ترفض سلوك عتريس ويبلغ تحديها ذروته حين تقوم بفتح الهويس الذي أغلقه عقاباً لأهل القرية ولأن عتريس يحب فؤادة لا يستطيع قتلها، ويتقدم لطلب الزواج منها، ولايجرؤ (حافظ (محمد توفيق) أبو فؤادة ) أن يعصى أمر عتريس فيزوجها له بشهادة شهود باطلة، وبسبب هذا الزواج الباطل يتصدى (الشيخ إبراهيم ـ يحيى شاهين)، لعتريس فيقتل رجال عتريس محمود ابنه، وتأتي النهاية بمشهد جنازة محمود وفيها يردد الشيخ إبراهيم جملته الشهيرة «جواز عتريس من فؤادة باطل» ويردد كل أهل القرية وراء الشيخ إبراهيم الجملة ويتوجهون لمنزل عتريس الذي يفاجأ بأهل القرية مجتمعين أمام بيته فلا يستطيع مقاومتهم فيقومون بحرق منزله وهو بداخله وتكون هذه النهاية العادلة لجبروت عتريس وظلمه، وقد كان للفيلم أبعادا سياسية وحمل الكثير من الرمزية، فعتريس يرمز للحاكم الديكتاتور، وأهل القرية يرمزون للشعب الذي يقع تحت وطأة الطاغية،وفؤادة ترمز لمصر التي لا يستطيع الدكتاتور أن يهنأ بها.
وقبل عرض الفيلم ترددت أقاويل أنه يرمز لحكم جمال عبدالناصر وأشار البعض الآخر إلى أنه قد يرمز لفترة حكم الملك فاروق، كما قال البعض انه يرمز لأي حكم ديكتاتوري
ورغم تأكيد المخرج حسين كمال أن الفيلم لا يقصد بشخصية عتريس الرئيس جمال عبد الناصر، إلا أن هذه الشائعة سرت بقوة، وخشى الرقباء من الموافقة على عرضه، وبدأصناعه يسألون عن مصير الفيلم ولماذا تم منع عرضه؟ .
وعلم الرئيس عبد الناصر بذلك فقرر أن يشاهد الفيلم بنفسه، وقد أشاد به ومستواه الفنى، ووافق على عرضه، الفيلم أنتجه الفنان صلاح ذوالفقار عام 1969 ومن إخراج حسين كمال ورغم أنه مأخوذ عن قصة قصيرة لثروت أباظة فان الفضل الأكبر في الإسقاطات السياسية كان للتعديلات التي أدخلها عبدالرحمن الأبنودي على الحوارا لذى كتبه باللهجة الصعيدية بناء على طلب المخرج، الذى قرر تصويره بتقنية «الأبيض والأسود» بالرغم من إمكانية تصويره بالألوان لانتشار الأفلام الملونة في ذلك الوقت، لكن المخرج حسين كمال لجأ لاستغلال ظلال الأبيض والأسود ببراعة لم تكن لتتحقق فيما لو تم التصوير بالألوان. ورشح الفيلم لجائزة مهرجان موسكو السينمائي.
وبالفعل لم يقدم للسينما سوى فيلمين فقط، أخذا عن قصتين له، ومع ذلك حفر اسمه بحروف من نور على شاشات السينما المصرية، ولما لا وأحد هذين الفيلمين، وهو «شيء من الخوف».. انه ثروت أباظة الذي رحل عن عالمنا في مثل هذا اليوم 17 مارس من عام 2002، وبالرغم من نجاح الفيلم على المستويين النقدى والجماهيرى، والذى انعكس على كل نجوم الفيلم، فيما عدا المؤلف ثروت أباظة الذى لم تقدم له سوى فيلم آخر هو «هارب من الأيام» ولكن لم يكن له نفس النصيب من النجاح رغم أنه جاء بعد النجاح المدوى الذى حققه أحد أهم المسلسلات في تاريخ التليفزيون المصري والمأخوذ عن نفس الرواية وأنتج عام 1962، وأعد له السيناريو فيصل ندا، وأخرجه رائد الدراما نور الدمرداش. وكان المسلسل من بطولة عبدالله غيث ،ومحمود الحديني، وتوفيق الدقن، ومديحة سالم، وعادل المهيلمي، وحسين قنديل، وعبدالرحيم الزرقاني، وإحسان القلعاوي.
أما الفيلم فقد كتب له السيناريو فايق اسماعيل، وإخرجه حسام الدين مصطفى، ولعب بطولته فريد شوقي ومحمود المليجي، وسميرة احمد، وصلاح قابيل، وصلاح منصور.
ثروت دسوقي أباظة المولود في15 يوليو 1927 ، هو كاتب وروائي مصري كبير، وله اسهاماته العديدة في الأدب. وهو من عائلة أباظة التى تعد من أعرق عائلات مصر وهي أسرة أدبية قدمت للأدب العربي عمالقة من الأدباء علي رأسهم والده الأديب دسوقي أباظة وعمه الشاعر عزيز أباظة وعمه الكاتب الكبير فكري أباظة.
وقد حصل ثروت على ليسانس الحقوق عام 1950، وبدأ حياته العملية بالعمل بالمحاماة. وقد بدأ حياته الأدبية في سن السادسة عشر واتجه إلى كتابة القصة القصيرة والتمثيلية الإذاعية وبدأ اسمه يتردد بالإذاعة، ثم اتجه إلى القصة الطويلة فكتب أول قصصه وهي «ابن عمار» وهي قصة تاريخية، كما كتب مسرحية بعنوان «الحياة لنا».
تولى رئاسة تحرير مجلة الإذاعة والتلفزيون عام 1974، ورئاسة القسم الأدبي بصحيفة الأهرام بين 1975 و1988 وظل يكتب في الصحيفة نفسها حتى وفاته. كما شغل منصب رئيس اتحاد الكتاب. وقد تولى منصب وكيل مجلس الشورى، كما كان عضواً بالمجلس الأعلى للثقافة وبالمجالس القومية المتخصصة ومجلس أمناء اتحاد الإذاعة والتلفزيون ورئيس شرف لرابطة الأدب الحديث وعضواً بنادي القلم الدولي.
ألف ثروت أباظة عدة قصص وروايات، تحول عدد منها إلى أفلام سينمائية ومسلسلات تلفزيونية، كما كتب أكثر من أربعين تمثيلية إذاعية، وأربعين قصة قصيرة وسبعة وعشرين رواية طويلة. كما حصل على عدة جوائز منها جائزة الدولة التشجيعية عام 1958في اولى دوراتها عن روايته «هارب من الأيام»، ونال وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، ثم جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1982.