في ذكرى مئوية ميلاده: جمال عبدالناصر والسينما.. ما له وما عليه
القاهرة ـ «سينماتوغراف»
هل أنصفت السينما جمال عبدالناصر؟ هل تمكن صانعو الأفلام لدينا أن يقدموا الرجل بشكل صائب ودقيق وجميل؟ وكيف استقبل الجمهور زعيمه الأشهر على الشاشة؟.
قبل الإجابة عندى ملحوظة أود تحريرها بشأن السينما المصرية، تتلخص هذه الملحوظة فى أن صناعة السينما لدينا نشأت فى ظل احتلال إنجليزى بغيض، الأمر الذى جعلها سينما محافظة باستمرار، لا سينما ثورية تتجرأ على اقتحام الممنوعات خاصة فيما يتعلق بقضايا السياسة والتحرر والعدالة الاجتماعية، لأن المنتجين والمخرجين كانوا يعرفون جيدًا أن الاقتراب من هذه القضايا يعرضهم لمقص الرقيب. أظنك لاحظت أيضا أن السينما المصرية لم تقترب من أحمد عرابى، رغم أنه كان قائدًا لانتفاضة مهمة، كما لم تخصص سوى فيلم واحد فقط يستعرض حياة وكفاح مصطفى كامل، أما محمد فريد وسعد زغلول ومصطفى النحاس فقد تعاملت السينما معهم بإهمال تام للأسف الشديد، فلم نشاهد أحد الممثلين متقمصا شخصية هؤلاء السياسيين المكافحين فى تاريخنا النضالى.
اليوم ونحن نتذكر مئوية ميلاد عبد الناصر (15 يناير 1918)، نكتشف أن طيف الرجل لم يتألق على شاشة السينما سوى مرات قليلة للغاية، رغم حضوره الطاغى فى وجدان الجماهير منذ أعلن تأميمه قناة السويس فى 1956، وحتى هذه اللحظة، حيث ترفع صورته فى معظم المظاهرات المطالبة بالعدل والكرامة والحرية.
بدأ صوت عبدالناصر الحقيقى يضىء شاشة السينما مع عرض فيلم (بور سعيد/ 1957) للمخرج عز الدين ذو الفقار، إذ نسمعه وهو يعلن قرار تأميم قناة السويس، ثم يتكرر الصوت والقرار فى فيلم (الباب المفتوح/ 1963) للمخرج بركات، لكننا لا نرى وجه القائد أو من ينوب عنه.
بعد رحيل عبدالناصر فى 28 سبتمبر 1970 تبدأ السينما فى عهد السادات تنال من تجربة الرجل وتصوره طاغية يعتقل الناس ويعذبهم فى المعتقلات، لكن دون أن تظهر صورته أو يتولى أحد تجسيد شخصيته (الكرنك/ 1975) للمخرج على بدرخان، و(إحنا بتوع الأوتوبيس/ 1979) للمخرج حسين كمال على سبيل المثال. فى هذه الأفلام كان الهدف واضحًا وهو تحطيم الصورة النبيلة للزعيم حتى يسهل اتخاذ الخطوة الأخطر وهى الانقلاب على سياساته وتوجهاته، وهو ما كان، لكن بعد رحيل السادات بزمن طويل تجرأ الكاتب الكبير محفوظ عبدالرحمن والمخرج القدير محمد فاضل وقدما تحفتهما الخالدة (ناصر 56) فى عام 1996 ليحقق الفيلم نجاحًا منقطع النظير فى السينما، خاصة أن النجم الراحل أحمد زكى تمكن من اقتناص أبرز الملامح النفسية للزعيم الراحل وتقمص حالته بشكل يدعو للانبهار بحق.
فى عام 1998 حقق المخرج السورى أنور قوادرى فيلم (جمال عبدالناصر) مستعينا بالنجم خالد الصاوى ليلعب دور الزعيم، ورغم تفرد خالد وتمكنه فى تجسيد شخصية عبدالناصر، إلا أن الفيلم لم يحقق النجاح المأمول نظرًا لضعف السيناريو وركاكة الإخراج.
على أية حال.. ليس عندى شك فى أن شخصية عبدالناصر كنز لا ينضب، ومن ثم فالسينما لن تتوقف عن الالتفات إلى هذا الزعيم النادر مرة ومرات فى السنوات المقبلة.