«لوغان».. عمق إنساني يرتقي بأفلام الكوميكس
ـ محمد جابر
كيف يمكن لفيلم حركة مُقتبَس عن قصص مصوّرة أن يكون شاعرياً إلى هذا الحد؟ كيف يمكن الموازنة بين دموية وقسوة عمل، وفي نفس الوقت، بين هشاشة العلاقات الإنسانيَّة، والعمق الشخصي الذي يطرحه؟.
فيلم “لوغان” Logan، ليس فقط واحداً من أفضل وأهم أفلام الـ”كوميكس” والأبطال الخارقين التي صدرت في السنوات الأخيرة، ولكنه أيضاً نقطة مُضيئة في السينما التجارية بسبب الموازنات العديدة التي ينجح في أغلبها. كأن صُناعه أرادوا أن تكون مرثية “وولفرين”، وأن يكون ظهوره الأخير على الشاشة خالداً.
الفيلم يخلق لنفسه صورة ملفتة منذ بدايته، إذ نرى شخصية “وولفرين”، الشخص الذي عرفناه قوياً على مدى أجزاء السلسلة خلال الـ17 عاماً السابقة، ومن صفاته الأهم أنه لا يشيخ، نرى هذا الشخص كبيراً جداً في السن، ونرى معاناة حتى في التئام جروحه، ونبدأ في التعرف على الوضع السيئ الذي صار عليه عالمه، إذ يعمل سائقاً، ولا يريد أن يعرفه أحد، بعد أن مات أغلب أصدقائه في حادثة غامضة لا نعرفها، الغموض يزداد مع احتجازه الدكتور تشارلز إكزافيير في مكان منعزل على الحدود المكسيكية، ومع ظهور فتاة صغيرة وغريبة تُدعى “لورا” يخبره “إكزافيير” أنها “المتحولة الأخيرة”.. ينخرط “لوغان” في صراع لم يكن يريده، صراعٌ يغيّرُ تماماً في شكل علاقته بالعالم وبنفسه.
يتحرَّك الفيلم من نقطة صراع مختلفة عن كل أفلام “وولفرين” السابقة، التي انطلقت من أنه “قوي جداً” و”خارق جداً” ويدخل في صدام مع العالم. المنطلقات هنا غير ذلك، “لوغان” عجوز وهرم تماماً، وهو أمر يؤثر فينا منذ اللحظة الأولى، التجاعيد في وجهه، وحركته البطيئة، والنظارة التي يلبسها كلّما أراد القراءة، كلّها تفاصيل خارجيّة في الشخصيّة تجعله بطلاً مختلفاً تلك المرة، بطلٌ هزمه العالم بالفعل، وهو لا يريد الآن إلا الموت.
مع دخول شخصية “لورا” تتزعزع الحدود التي يضعها بينه وبين العالم، لا ينخرِطُ الفيلم في مشاهد عاطفيّة مُباشرة وساذجة عن اكتشاف “لوغان” أن له ابنة وأن هناك خطراً على حياتها، ولكن على العكس تماماً من ذلك. تنبع شاعرية العمل من التناقض بين مشاهد الحركة السريعة والملاحقة المستمرة (كما يليق ومناسب لفيلم “أكشن” جماهيري) وبين الحركة الداخلية البطيئة لـ “لوغان” الذي يحاول طوال الوقت ألا ينخرط عاطفياً تجاه تلك الفتاة، أن يدفع العالم بعيداً عنه، أن يتعامل مع الذهاب لـ”داكوتا الشمالية”، باعتبارها مُهمّة مُحدّدة ستنتهي ثم يعود لحياته في قارب بالمحيط ينتظر فيه موت “دكتور إكزافيير” ثم يموت هو نفسه.
صراع “لوغان” هو صراع داخلي مع الحياة ذاتها، ولكن على مدى ساعتين تقريباً، تتفتت تلك الطبقة التي يحيط بها نفسه، يعجز عن الاستمرار في إبداء عدم الاهتمام. وفي جانب مختلف، يعمل الفيلم على تناقص آخر يخلق به شاعريته، تناقض مستمر بين روح “لوغان” وجسده، كلما قلّت رغبته الداخلية “الروحية” في الموت. كلما ضعف جسده واقترب خارجياً منه. وعلى الأغلب، لا يوجد فيلم “كوميكس”، خلال السنوات العشر الأخيرة، على الأقل، تعامل مع شخصيته الرئيسية بهذا القدر من الاهتمام والمحورية.
وإلى جانب جودة السيناريو والمكياج، فإنّ كلّ هذا لم يكن ليتحقق إلا بالأداء الأفضل في مسيرة هيو جاكمان، ذلك الممثل الذي انطلقت مسيرته الفعلية مع بدء أدائه لشخصية “وولفرين”، لذلك نشعر بعد 17 عاماً أنه “كبر معها” فعلاً، وانمحى الخط الفاصل بينه وبينها، ليؤدي كل شيء بصدق حقيقي، وامتلاء بالألم، ولا يتوقف الأمر عند حدود ملامح وجهه، ولكن كل حركة أو التفاتة جسدية من “لوغان” تحمل ثقلاً حركياً وأدائياً من “جاكمان”، ليصنع في فيلمه الأخير مع “وولفرين” صورة قريبة من القلب، ولا تنسى لها.
وإن كان من عيب حقيقي في هذا الفيلم فهو “عيب منطقي”، إن صح التعبير، له علاقة بالجانب الشرير، ففي فيلم يدور بالكامل حول “صراع وولفرين نفسه” وكان من المستحيل منح مساحة أكبر للجانب الآخر، ولكن في نفس الوقت، فالمدة الزمنية القصيرة التي تعطى لهم لتسيير القصة (كالانتقالات التي نعرف منها أنهم يتتبعونه “لوغان ولورا ود.إكزافيير”) تكون ضعيفة ومباشرة جداً، ولا تنتمي لفيلم بهذا القدر من الجودة في تفاصيله الأخرى. ولكن مجملاً، فبالتأكيد هذا العمل واحد من أفضل أفلام الكوميكس التي ظهرت على الشاشة خلال السنوات الأخيرة.