«مهرجان كارلوفي فاري الـ56».. حضور عربي بارز وثراء في البرمجة
كارلوفي فاري ـ خاص «سينماتوغراف»
اليوم افتتاح، “مهرجان كارلوفي فاري السينمائي الدولي” في موعده الطبيعي، كما جرت العادة في الأعوام الأخيرة، إذْ تنعقد دورته الـ 56 بين 1 و9 يوليو 2022، علماً أنّ إدارته ألغت الدورة قبل الماضية بسبب كورونا، ونظّمت دورته السابقة، الـ 55، بين 20 و28 أغسطس 2021، في موعد مختلف عن المعتاد، بسبب تداعيات وقيود كورونا أيضاً..
رغم تغيير موعد الدورة السابقة، وزحمة المهرجانات المُتلاحقة في الصيف الماضي (“كانّ” و”كارلوفي فاري”، ثم “لوركارنو” و”فينيسيا”)، وانتشار كورونا، والإجراءات الاحترازية، واللقاحات، وقيود الطيران، وغيرها، كانت الدورة السابقة جيّدة، إجمالاً، تنظيماً وأرقاماً. ورغم ظروف الانعقاد، وقلّة عدد الأفلام والنجوم وصنّاع السينما والنقاد والصحافيين، مُقارنة بالدورات السابقة؛ عُرض 144 فيلماً في 450 حفلة، في أيام الدورة، وبيعت 111 ألف تذكرة. أرقامٌ كهذه غير مُعتادة في الأعوام الأخيرة، يتمنّى منظّموه تجاوزها في الدورة الجديدة (56)، خاصة أنّ الأمور باتت طبيعية تقريباً، أقلّه بالنسبة إلى انتشار الوباء، وإلغاء القيود والاجراءات الاحترازية.
البرمجة الرسمية للمهرجان هذا العام اختارت 33 فيلماً من 5 قارات، 27 منها تُقدَّم في “عروضٍ عالمية أولى”، و3 منها في “عروضٍ دولية أولى”، و3 في “عروض أوروبية أولى”. الأفلام المُختارة مُوزّعة على الأقسام الرئيسية: المسابقة الرسمية ومسابقة الكرة البلورية (12 فيلماً)، مسابقة “بروكسيما” (12 فيلماً). في قسم “عروض خاصة”، من دون مسابقة ولجان تحكيم، تُعرض 9 أفلام. وهذا مع غياب تام لأفلام عربية جديدة، في المسابقتين الرسمية والكرة البلورية.
اللافت للانتباه إلغاء مُسابقة “شرق الغرب”، المتميّزة للغاية، التي تفرّد بها المهرجان أعواماً مديدة، والمخصّصة بعرض أفلام من شرق أوروبا ووسطها، فقط. مسابقة قدّمت أفلاماً مهمّة كثيرة، وعرّفت بمخرجين متميّزين للغاية، لمعت أسماؤهم لاحقاً. إلغاء كهذا حدث سابقاً، عام 2019، لمسابقة “الأفلام الوثائقية”، فوُزِّعت الأفلام الوثائقية على مختلف أقسام المهرجان. (النص الكامل على الموقع الإلكتروني) أما المسابقة الجديدة، التي حلّت محل “شرق الغرب”، فتحمل عنوان “بروكسيما”، و”تهدف إلى أنْ تكون مكاناً حصرياً لصنّاع الأفلام، الذين ينتظرون اكتشافهم، أو المخرجين المشهورين، الذين يسعون إلى إعادة التعريف بأعمالهم الجديدة”. والمسابقة، على عكس سابقتها، “مفتوحة للأفلام من مختلف أنحاء العالم، وليست قاصرة على بقعة جغرافية بعينها”، وفقاً لتصريح المدير الفني للمهرجان، كارل أوخ.
يحتوي المهرجان، كعادته، على أقسام أخرى فرعية، متفاوتة الأهمية، كـ”العروض الخاصة”، المُكرّسة أفلامه لمخرجين أوروبيين جدد، أو أفلام جديدة من إنتاج أوروبي؛ و”من الماضي”، المهتمّ بعرض تشكيلة متنوّعة من أفلام عالمية، قديمة نسبياً، أو رُمِّمَت حديثاً. من الأفلام الـ 15 المعروضة في هذا القسم، هناك “المزحة” (1968) للتشيكي الراحل ياروميل يريش، المأخوذ عن رواية “المزحة” للأديب التشيكي ميلان كونديرا، في نسخة مُرمَّمة حديثاً، تُعرض للمرّة الأولى؛ و”بيروت اللقاء” (1981)، للّبناني الراحل بُرهان علوية.
في قسم “خيال”، هناك 20 فيلماً روائياً طويلاً وقصيراً. يُركّز القسم على أحدث الأفلام ذات الطابع التجديدي أو التجريبي، شكلاً ومعالجة سردية ورؤية بصرية. من أفلامه الروائية الطويلة، هناك “الحركة الكبرى” للبوليفي كيرو روسو، و”أطلانتيك” للإيطالي يوري أنكاراني؛ وأفلام قصيرة، كـ”مستعمرات الليل” للتايلاندي أبيشاتبونغ فيراسيتاكول، و”سيميائية البلاستيك” للروماني رادو جود. في “عروض منتصف الليل”، التي تُقدِّم أفلاماً جديدة في حفلات منتصف الليل، هناك “جرائم المستقبل” للكندي ديفيد كروننبرغ، المعروض أخيراً في مسابقة الدورة الـ 75 (17 ـ 28 مايو 2022) لمهرجان “كانّ”.
أما قسم “آفاق”، الأكبر بعدد الأفلام، فيعرض نحو 50 فيلماً. قسمٌ يجذب الانتباه دائماً، ببرمجته الثرية، إذْ يعرض عادة تنويعات مختلفة من الأفلام الروائية الطويلة والوثائقية، المتميّزة فنياً، والمعروفة في عامٍ مضى، أو الفائزة بجوائز في مهرجانات دولية كبرى (“فينيسيا” و”إدفا” و”برلين”، وأخيراً “كانّ”). من هذه الأفلام، “مثلث الحزن” للسويدي روبن أوستلوند (“السعفة الذهبية” لمهرجان “كانّ” الـ 75)، و”قرار المغادرة” للكوري الجنوبي بارك تشان ووك (أفضل إخراج في المهرجان نفسه)، والوثائقي “السيد لاندسبيرجس” للأوكراني سيرغي لوزنيتسا، الفائز بجائزة أفضل وثائقي طويل، في الدورة الـ 43 (17 ـ 28 نوفمبر 2021) لـ”مهرجان أمستردام الدولي للأفلام الوثائقية (إدفا)”. اللافت للانتباه أنّ للأفلام العربية حضوراً بارزاً في “آفاق”، إذ يُعرض “تحت شجرة التين” للتونسية أريج السحيري”، و”حَرقة” للمصري الأميركي لطفي ناثان، و”السد” للّبناني علي شري، و”القفطان الأزرق” للمغربية مريم توزاني.
بعد 10 أعوام على إصداره مطبوعاتٍ وملصقاتٍ رسمية باللونين الأسود والأبيض، مع ميلٍ كبير إلى التصميم التجريدي، واللعب على الخيال والخداع البصري، اعتمد المهرجان في نسخة هذا العام، أو بالأحرى عاد مجدّداً إلى الألوان، كاشفاً عن ملصق ملوّن للدورة الـ 56، صمّمه الفنانان التشيكيان جوناتان كونا وزوزانا ليدنيكا: تصميم مُصغَّر ومُتداخل باحترافية، على نحو فني جذّاب شبه كاريكاتوري، ومُبهج ومرح للغاية، يضمّ أهم أماكن انعقاد فعاليات المهرجان في مدينة كارلوفي فاري. وفيه تيمات فيلمية، ورموز سينمائية، وشخصيات بارزة، تواجدت في دورات سابقة. كما حرص المهرجان على إصدار نسخة ثانوية من الملصق بالأسود والأبيض لعشّاقهما، ولعدم التخلّي كلّياً عن تيمة بصرية، ميّزت المهرجان في عقده المنصرم.
إلى فعاليات مألوفة وأقسام متنوّعة أخرى، هناك منصّة صناعة السينما، المعروفة بـ”وعود شرقية”، تعرض 35 مشروعاً سينمائياً في مختلف مراحل التنفيذ السينمائي. تتنافس المشاريع على جوائز مالية، للمراحل المختلفة للتنفيذ، قيمتها 125 ألف يورو. ونظراً إلى الحرب في أوكرانيا، واستحالة عقد الدورة الـ 13 لـ”مهرجان أدويسا السينمائي الدولي”، يستضيف المهرجان منصّة الإنتاج التابعة لـ”أوديسا”، التي تعرض أفلام مخرجين أوكرانيين يتنافسون على جوائز إنتاجية، تبلغ 10 آلاف يورو.
وفي إطار حرصه على التجديد والتنوّع المستمرّين، في المسابقات والأقسام والندوات، كما على المستوى اللوجستي كذلك، تعاقد المهرجان مع إحدى أكبر شركات التصميم في التشيك وأوروبا، لتهيئة مساحة الحديقة المفتوحة، المجاورة لفندق “تيرمال” العتيق، مقرّه الرئيسي، لتصبح ملتقى مفتوحاً للجمهور وصنّاع الأفلام، وتكون حيّزاً جديداً وعصرياً، لعقد لقاءات تلفزيونية، وتنظيم أمسيات موسيقية مسائية وحفلات وسهرات ليلية، علماً أنّ المساحة الجديدة تستوعب نحو ألف شخص.