نور الشريف.. فى وجداننا وذاكرتنا
قامة كبيرة يكرمها «دبى السينمائى» فى حفل افتتاحه الليلة
لم يكن طريقه مفروشا بالورود، لكنه كان مسلحا بموهبة حقيقية ورغبة أكيدة لاختراق عالم التمثيل، ذلك العالم المثير الذى خطفه منذ سنوات نشأته الأولى فى حى “السيدة زينب” أحد أشهر أحياء القاهرة القديمة، كانت أفيشات الأفلام على دارى سينما ايزيس والشرق تأخذه من كل ما عداها، فيدفع القروش القليلة من مصروفه ليعيش فى عالمها الساحر الذى ينقله لأجواء مغايرة ويحيله الى حياة أخرى، فيبكى ويضحك ويندمج مع أبطاله ويتوحد معهم. وخلال سنوات استطاع أن يكون نور الشريف واحدا من أهم نجوم السينما العربية بأدواره المهمة وأفلامه المتميزة التى أجمع عليها الجمهور العربى من المحيط الى الخليج.
بالفعل هو فنان من طراز خاص صاحب مدرسة في الأداء التمثيلي قادرة علي الوصول إلي قلب المشاهد لأنها تعتمد علي صدق الأداء والإحساس مما أهله لأن يتربع علي عرش النجومية وشباك الإيرادات لاكثر من ثلاثة عقود، استطاع خلالها التعبير عن المواطن البسيط وقضايا الوطن والمنطقة العربية بحرفية شديدة للغاية لم تكن وليدة الصدفة. انتبه إليه الجمهور والنقاد منذ اللحظة الأولى التى أطل عليهم فيها مجسدا شخصية كمال عبدالجواد في الجزء الثاني من ثلاثية نجيب محفوظ “قصر الشوق” عام 1967. وقليلون هم من يحجزون مقاعدهم في الصفوف الأولى منذ الخطوة الأولى، وقد كان نور الشريف من هؤلاء. وبقدر ما كانت لحظة الانطلاق موهجة، بقدر ما كانت المسيرة أكثر توهجا وتألقا ليثبت على مدى 47 قضاها في مجال الفن، ممثلا ومنتجا ومخرجا، أنه يستحق هذه المكانة التي يحظى بها، احتراما من قبل النقاد وحبا من قبل الجماهير.
قدّم نور الشريف أدواراً في 171 فيلم سينمائي، وشكّلت أفلام لعب بطولتها محطات رئيسة في تاريخ السينما المصرية والعربية، مقدّماً شخصيات لا تُنسى، كما في فيلمي يوسف شاهين “حدوتة مصرية” و”المصير”، وأدواره في أفلام عاطف الطيب مثل “سواق الأتوبيس”، و”دماء على الأسفلت”، و”ناجي العلي”، وفيلم سعيد مرزوق “زوجتي والكلب”، و”البحث عن سيد مرزوق” لداود عبد السيد، و”عمارة يعقوبيان” لمروان حامد، وغيرها من أفلام مفصلية في تاريخ السينما العربية.
وخاض نور الشريف خلال مسيرته الفنية تجارب إنتاجية، حيث أنتج عام 1976 فيلم “دائرة الانتقام”، وفيلم “زمن حاتم زهران” عام 1986، وقد كان كلا الفيلمين من بطولته، وهو ما يجعله واحدا من أيقونات الفن العربى والمصرى، الذى يمتلك تاريخا شديد الثراء والتنوع، يدرك جيدا أهمية ودور الفن، وضرورة التنوع، لذلك فهو من النجوم القلائل الذين نجدهم يمتلكون مشوارا حافلا لأفلام تجارية جنبا إلى جنب مع الأفلام ذات القيمة الفنية، التى تعد من كلاسيكيات السينما المصرية والعربية. ورغم أنه مخرج إلا أنه لم يتعال على أحد وكان يترك نفسه عجينة لينة يشكلها المخرج، بدءا من حسن الإمام ومحمد فاضل وصولا لداوود عبدالسيد وعاطف الطيب ويوسف شاهين وسمير سيف.
تكريمات عديدة وجوائز يصعب حصرها وشهادات تقدير لا أول لها ولا آخر تزين جدران بيته، كلها تؤكد تفوقه الاستثنائى، واليوم يكرمه مهرجان دبى السينمائى الدولى فى حفل افتتاحه ويحتفى بمشواره الطويل فيمنحه جائزة “انجاز العمر” التى لاتمنح إلا لهؤلاء الكبار الذين قطعوا مشوارا من النجاح وأضاءوا حياتنا وأضافوا لها الكثير من المتعة والسعادة.
حيثيات عديدة وراء هذا التكريم، وكما قال عبد الحميد جمعة رئيس مهرجان دبى السينمائى “إن تكريم نور الشريف يشكل مصدر سعادة لنا جميعا وما التكريم الا فرصة لنعبر بها عن تقديرنا لتجربة قامة سينمائية كبيرة قدمت الكثير للسينما العربية وحفرت عميقا فى وجداننا وذاكرتنا”.
وبمناسبة تكريم المهرجان له تقدم “سينماتوغراف” هذا الملف الذى ترصد من خلاله محطات مضيئة في مسيرة الفنان نور الشريف، وفى مشواره السينمائى الممتد لنحو نصف قرن من الابداع. آملين أن يمتد به العمر ليواصل تحقيق ما فاته لأننا على ثقة كاملة بأن خاصه عام، وأن الكثير من الأحلام لايزال يأمل تحقيقها لصالح الفن الذي عاش مخلصا له وبارا به. «سينماتوغراف»