«يحيا قيصر! ».. بداية ساخرة لبرليناله 66
برلين ـ أحمد شوقي
عندما يختار مهرجان فيلماً ليعرضه في افتتاحه، تكون الاختيارات دائماً محصورة بين اختيار فيلم لمخرج كبير يترقب المتابعون جديده، فيلم لنجم شهير يجذب الأضواء للمهرجان، أو فيلم مهم يكسب المهرجان حق عرضه العالمي الأول. حسن الحظ والاختيار يجتمعان عندما يمتلك المهرجان فيلماً يحقق العناصر الثلاثة، وهو ما فعله مهرجان برلين السينمائي في دورته السادسة والستين باختيار فيلم «يحيا قيصر! Hail Caesar! » للأخوين جويل وإيثان كوين.
المخرجان بالطبع يمتلكان سجلاً فائق النجاح بأربع جوائز أوسكار وعشر ترشيحات أخرى عن أفلامهما الشهيرة مثل «Fargo» و«No Country for Old Men» و«True Grit»، وفيلمهما الجديد يضم قائمة هائلة من نجوم هوليوود: جورج كلوني وجوش برولين وسكارليت يوهانسن وتيلدا سوينتن ويوناه هيل وتشانينج تاتوم ورالف فاينس، ثم جاء مستوى الفيلم ليكمل أسباب الاختيار ليكون فيلم افتتاح برليناله.
ماض ساخر وأبعاد ثلاثة
أحداث الفيلم تدور في هوليوود الخمسينيات، عصر هيمنة الاستوديوهات على مقاليد الصناعة وتحكمها في المخرجين والمؤلفين وبالطبع النجوم. البطل الرئيسي هو إيدي مانيكس (جوش برولين) مدير استوديو كابيتول، الذي لا يتورع عن ارتكاب أي شيء يكفل لعجلة العمل الاستمرار، دون الشعور بذرة ندم تجاه ما يعتبره أمور منطقية للمهنة، بينما يذهب إلى الكنيسة ليعترف بأشياء يراها أخطر مثل القيام بتدخين سيجارة بعدما وعد زوجته بالامتناع عن التدخين!
في تناقض تصرفات مانيكس سخرية واضحة من الماضي، تتبلور في صورة محاكاة كوميدية «بارودي» لأفلام الخمسينيات بأنواعها، الويسترن والغنائي والدرامي والتاريخي، والأخير هو نوع الفيلم الذي يلعب بطولته النجم بيرد ويتلوك (جورج كلوني)، صاحب الشعبية الطاغية والعقل الخاوي والانبطاح الكامل أمام الاستوديو ومديره. المدير الذي تتفاقم أزماته عندما يتم اختطاف بطله (ويتلوك) من قبل مجموعة غامضة قبل أن يتم تصوير دوره.
السيناريو كالعادة هو العنصر الأهم في أفلام الأخوين كوين، والحكاية التي قد تصنع فيلماً كوميدياً خفيفاً تتشعب في الكثير من الحبكات الفرعية لتمتلك ثلاثة أبعاد متوازية: المحاكاة الساخرة لنظام الاستوديو والأفلام الكلاسيكية، اختطاف النجم وهوية خاطفيه ومطالبهم، بالإضافة إلى أزمة مدير الاستوديو الشخصية بعدما يُعرض عليه وظيفة مغرية براتب ضخم ومتاعب شبه معدومة، لكنها ببساطة بعيدة عن عالم السينما.
بين الأمور الثلاثة يتحرك السيناريو بذكاء وخفة ظل، يدعمها أداء كاريكاتوري من الطبيعي أن يكون السمة العامة لفيلم كهذا. جورج كلوني هو نجم لا يجيد التمثيل، سكارليت يوهانسن نجمة إغراء قاسية، تيلدا سوينتون تلعب شخصيتي صحفيتين توأم متنافستين، فرانسيس مكدورماند هي مونتيرة تدخن بشراهة ولا تغادر غرفة الموفيولا، والمفاجأة تتمثل في تشانينج تاتوم الذي يواصل التخلص من صورته الذهنية القديمة، ويظهر كممثل وراقص محترف (يؤدي بالفعل رقصة على طريقة الخمسينيات في مشهد نوستالجي ممتع من لقطة واحدة) يمتلك ميولاً سياسية سرية تختلف تماماً عما يبدو عليه.
الدين تحت النيران.. والشيوعية أيضاً
سخرية الأخوين كوين لم تقتصر على السينما وعالمها، بل امتدت أيضاً لرجال الدين الذي يحضرهم مانيكس كي يناقشهم في سيناريو فيلمه التاريخي «يحيا قيصر! » الذي تدور أحداثه وقت ظهور المسيح وتعامل القيصر الروماني معه، رغبة منه في تفادي الفيلم إثارة أي خلاف مع المؤسسات الدينية، ليلقي مشهد كوميدي واحد أضواء كثيرة على ردود أفعال رجال الدين عندما يمنحهم أحد الفرصة لتقييم الفن وإبداء رأيهم فيه.
الشيوعية هي الأخرى لا تنجو من نيران القيصر، متمثلة في أغرب مجموعة إجرامية يمكن مشاهدتها، والتي قامت باختطاف الممثل الشهير لسبب سيعرفه من يشاهد الفيلم، وأثرت أفكارهم على عقله السطحي بصورة جعلت مدير الاستوديو يتعامل معه بطريقته المُثلي لمعاملة التافه عندما يريد أن ينتهج فكراً: صفعة على وجهه! فلا وقت لدى إيدي مانيكس يضيعه في مناقشات بلا معنى، فقط هو يحل المشكلات ويصنع أفلاماً تمتع الجمهور.
بداية مبشرة لمهرجان كبير
«يحيا قيصر!» فيلم ممتع على بساطته، يبدو أشبه بلعبة يخوضها المخرجان الكبيران ومعهما فريق التمثيل من نجوم الصف الأول، لعبة تحمل بالتساوي السخرية اللاذعة من الماضي والاحترام الوافر له، وتعيد خلق مشاهد على طريقة الخمسينيات فتثير الضحك والحنين معاً، وهو بالتأكيد بداية مبشرة لمهرجان نتمنى أن يكون حافلاً بالتجارب المهمة والممتعة.