ألكسندر سوكوروف يتحدى النمطية السينمائية ويرفض عنف الأفلام
الدوحة ـ «سينماتوغراف»
تحدّى الخبير السينمائي ألكسندر سوكوروف التوجهات النمطية السائدة لخبراء السينما على عدة مستويات، فلم يلقي الكلمات الرنانة والنصائح لصانعي الأفلام الواعدين ولم يقدم الكثير من خبرته وتجاربه في الإخراج.
وجاء حديث سوكوروف في ندوته التعليمية التي أقيمت ضمن فعاليات قمرة حيث تساءل أكثر من مرة عن مقومات السينما كشكل من أشكال الفنون وأختار أن يسمي المخرجين بصفات “يكررون أنفسهم، مقلدين، سارقين، ويقومون بالكثير من الإقتباس من أشكال الفنون الأخرى”.
سوكورف من خبراء السينما الحديثي النزعة، عرض فيلمه “الفلك الروسي” ضمن عروض الخبراء في قمرة بحضور حشدٍ غفير من الجمهور وتحدث بعدها في الجلسة الحوارية عن التحضيرات الكبيرة لتصوير الفيلم في لقطة واحدة. وهنا قدم نصيحة بسيطة لصنّاع الأفلام : “ستعرفون كل شيء عن صناعة الأفلام وإلا لن تتمكنوا من قيادة طاقم العمل والحصول على ما تريدون منهم”.
في فيلم الفلك الروسي، يظَهر الفهم العميق الذي يتمتع به سوكروف لجميع جوانب صناعة الأفلام والتي صنّع لأجلها أجهزة كمبيوتر خاصة.
يؤكد سوكوروف بوضوح أن السينما يجب أن تلام لعدة أمور في حياتنا اليوم، ويصف الأدب بأنه قوته الدافعة خصوصاً رواية “الجريمة والعقاب” لتيودور دوستويفسكي. وقال أنه شعر بالنفور بسبب مزج الجريمة والعبقرية وأراد أن يحتج ضد المؤلف.
ولهذا السبب يواصل سوكوروف مقاومة العنف في السينما قائلاً أنه يفضل عدم مشاهدة الأفلام العنيفة حتى لو اتسم مخرجوها بالموهبة الكبيرة. “بالنسبة لي فإن الجانب الأخلاقي والروحي للموت أكثر أهمية بالنسبة لي كإنسان وكمخرج. لا يوجد سبب لوسم العنف والحرب والموت بالرومنسية”.
مستعيداً بعض الماضي عن تعاونه مع المخرج الأسطوري أندريه تاركوفسكي، سرد سوكوروف مطولاً عن كيفية عدم موافقته الرأي معه عن الأفلام وعن تحدي تاركوفسكي لإعجاب سوكوروف بأفلام فرديركو فيلليني. “لم يصغ إلي أحداً مثلما أصغى إليّ هو.. لا أحد.. لا قبل ولا بعد مقابلتي له”.
يعتبر سوكوروف بتاركوفسكي “هدية إلى عالم السينما” ويعتبر معرفته به ميزة جيدة. ويقول عنه :”لديه ثقة كبيرة بنفسه. يعتبر نفسه عبقرياً. حتى على فراش الموت، كان لديه تلك الثقة الراسخة في نفسه بأن الله لن يبعثه للموت”.
يؤمن سوكوروف شخصياً بأن السينما ليست شكلاً من أشكال الفنون التي يمكن أن تنتج تحفة فنية. “الأدب نعم. الموسيقى نعم. لكن ليس الأفلام. برأيي الأفلام يمكن أن نطلق عليها “الحاضر المستمر”. فهي لا تنتهي أبداً.” ولهذا لا يمانع سوكوروف من العودة إلى أفلامه السابقة ويعيد مونتاجها.
وقال سوكوروف بأن عناصر الفيلم العديدة كانت مثالية من قبل عبقريين قبله. “إرنست همنغواي، هو الأستاذ الحقيقي للمونتاج، موزارت هو مؤسس مبادىء الهارموني والسيمفونية. السينما تسرق منهما”.
إحتفاءً بقوة الأدب، قال سوكوروف الذي إقتبس عدداً من الأعمال الأدبية للسينما، بأن اللحظة المثالية هي عندما يتوجه الجمهور بعد العرض لقراءةِ المزيد من كتب المؤلف. “أنا أدعم الحرية، والإنسان يصبح حرّاً عندما يقرأ. عندما تقرأ كتاباً فإنك تبتكر في خيالك وفي عقلك لكن في اللحظة التي تشاهد القصة في السينما يتم تدمير الخيال الذي رسمته”.
يعتمد سوكوروف قواعده الخاصة في إقتباس الأعمال الأدبية ولكن ليس بغرض مواجهة الكاتب. “الأدب والسينما مثل الأفعى والعصفور. ما هو الأفضل: الزحف أو الطيران؟ الأفعى تقول الزحف والعصفور والإنسان يقولان الطيران. السينما كالأفعى والأدب كالعصفور. لا يوجد أكثر أهمية من أن تجعل الإنسان يقرأ كتاباً”.
يوضح سوكوروف بأن السينما الأميركية السائدة تسعى فقط وراء التحفيز الاجتماعي للشخصيات أو الحبكة في الفيلم. بالنسبة له، ما هو الأهم هو التحفيز المعنوي والأخلاقي و “الصدق والإخلاص والانفتاح” للشخصيات. وتحدث عن كيفية محاولته لأن من خلال أفلامه اللحظة التي يتحول فيها الرجال إلى الجانب الآخر، والظروف التي تقودهم إلى ذلك.
بعد عرض مقتطفات من فيلمه “ألكسندرا” الذي ينصعه في عام 2007، ناقش العمل مع الممثلة ومغنية الأوبرا جالينا فيشنفسكايا وقال :”إنها تملك القوة والطاقة والعطاء وهذه هي عامة ميزات الشعب الروسي”.
ويختم حديثه في ندوته :”السينما لا تحوي الكثير، فقط عملية تشغيل وإطفاء جهاز العرض. هذا كل ما في الامر. فأحجية كل كاتب كيف ينهي الفيلم. الأجزاء الأخيرة من الفيلم هي الأهم. إنها تُمثل سبب صنع الفيلم أما كيفية نهاية الفيلم فهي سؤال كبير لأن الحياة تستمر.”
وأعرب سوكوروف عن سروره بالحضور إلى قطر الأمر الذي يمثل له فرصة لفهم المنطقة والفن الإسلامي في جوهره الحقيقي.
ويشرف سوكوروف في قمرة على صنّاع الأفلام ضمن برنامج تطوير مكثف يضم فيلم “اللؤلؤة” للكاتبة والمخرجة نور النصر، فيلم “طريق سكة الحرير” للمخرج مارين ديشيكو والمنتج كاخا ماتشاراشفيلي، “ميموزا” للمخرج والكاتب أوليفر لاكس والمنتج فيليب ليج والمنتج المشارك لميا كريبي، وفيلم “عالم النسيان” للمنتج والمخرج تامارا ستبنيان والمنتج ناتالي كومب.
الروسي ألكسندر سوكوروف واحد من خبراء قمرة المشاركين في النسخة الثانية إلى جانب كاتب السيناريو والمخرج والمنتج الأميركي جيمس شاموس، والمخرجة والكاتبة اليابانية ناوومي كاواسي، والمخرج التركي الفائز بجائزة السعفة الذهبية نوري بيلج جيلان، ، وجوشوا أوبنهايمر المرشح لجائزة أوسكار.