مقالات ودراسات

56 عاماً على هزيمة 67.. «سينما النكسة» واقع جريح سقط في هوة الابْتِذَالِ

 

***ــ أسـامة عسـل

إذا كانت الثورة تولد من رحم الأحزان فإن الإبداع يولد في أتون المعركة، واليوم بعد مرور 56 سنة على نكسة يونيو 67 نتساءل: هل شحذت المأساة التي ألمت بالأمة العربية من الخليج إلى المحيط وجرحتها جرحاً لم يندمل حتى اليوم، همم وعزيمة المبدعين من كتاب ومخرجين ومصورين ليصنعوا لنا فنا نعتز به، على غرار أفلام حرب فيتنام مثلاً أو أفلام الحرب الأهلية الإسبانية أو الفاشية في إيطاليا أو النازية في ألمانيا، وهل استطاعت السينما أن ترصد أسباب الهزيمة وتكرس نتائجها؟، هذا ما نبحث عنه ونتعرض له في السطور التالية، لنعرف كيف تناول الفن السابع نكسة 67.

وحتى لا تتوه المعالم نحاول تحديد الفترة التي نتحدث عنها هنا، وهي ما تعرف في أرشيف السينما العربية «بسينما النكسة» وهذه الفترة تنحصر بين أعوام 1967 – 1974، وتعتبر بداية انفصال لغة السينما عن لغة الواقع المعاش وتسطيح الأمور لتقديم تفاصيل تخلو من أية مضامين سوى الضحك من خلال اسكتشات أشبه بالمسرحية الهزلية، بغرض نقل المتفرج لحالة من الغيبوبة، عن واقعه الحقيقي بحجة الترفيه ورفع المعاناة عن كاهله. وخرج عن هذا النص عدد قليل من الأعمال التي عكست بشاعة ما حدث في ستة أيام وترك أثره حتى يومنا هذا، رغم ما نتغنى به، وما يحاول البعض من خلاله «سد عين الشمس»!، وهذه الأفلام تم تقديمها في الفترة من نهاية عام 70 وحتى نهاية عام 80، عندما خفت حده الرقابة وأصبح مقبولاً جلد الذات وكشف المستور، عما حدث وأدى لهزيمة 67 وما أعقبها من تغييرات سياسية واجتماعية.

انتكاسة للسينما

كان أشهر أفلام هذه الفترة وأنجحها على الإطلاق فيلم «البحث عن فضيحة» أول بطولة مطلقة لعادل إمام، ثم توالت على السينما سلسلة من الأفلام كانت في حد ذاتها انتكاسة للسينما نفسها وليست تعبيراً عن النكسة، منها «سيدة الأقمار السوداء» لحسين فهمي وناهد يسري، ثم «ذئاب لا تأكل اللحم» لناهد شريف وعزت العلايلي، و«أعظم طفل في العالم» لرشدي أباظة وميرفت أمين.

تميزت هذه الأفلام ـ إذا كان هذا يعتبر تميزاً ـ بتقديم العرى والجنس الخالي من أي مضمون على الشاشة، واختير لبنان الذي كان يتمتع بحرية أكثر مسرحاً لأحداث معظم هذه الأفلام، التي لجأ إليها معظم فنانينا في هذه الفترة العصيبة كبديل للقاهرة هوليوود الشرق.

والغريب في هذه الأفلام أن جميعها ظل غير معروف للجمهور المصري أو العربي حتى ظهور القنوات الفضائية وبيع أرشيف السينما للشركات الخاصة، بالإضافة إلى أن جميع من شاركوا فيها تنكروا لها وأعلنوا ندمهم على المشاركة فيها.

وحتى النجوم أو من كان يطلق عليهم آن ذاك قدموا أعمالاً لا تعبر إطلاقاً عن أي التزام بقضية أغرقت الوطن في ذل هزيمة نكراء، نذكر منها أفلام «أبى فوق الشجرة» قصة إحسان عبد القدوس وبطولة عبد الحليم حافظ وميرفت أمين ونادية لطفي، وفيلم «الحب الضائع» قصة طه حسين والبطولة لسعاد حسنى ورشدي أباظة وزبيدة ثروت.

بل إن بعض الأفلام المصرية في مطلع السبعينات حاولت ربط الجنس والفساد بالحالة العامة للبلاد «بعد هزيمة 1967»، كما جاء في «حمام الملاطيلي» لصلاح أبو سيف و«ثرثرة فوق النيل» لحسين كمال، وفي رمزية عكست التأثير المزري لمعاناة الشارع المهترء، الباحث عن يد تنقذه مما آل إليه.

أسهمت هذه الأفلام في توسيع الهوة بين الواقع الملتهب الجريح وعالم الفن السابع وما يقدمه تعبيراً عن هذا الواقع، وهو ما يعني الفشل الذريع في الارتقاء بالفن ليكون على مستوى الحدث الذي زلزل هذه الأمة.

ثقافة الهزيمة

أفلت من هذه المنظومة تماماً فيلم «الأرض» عام 1970 والمأخوذ عن رائعة عبد الرحمن الشرقاوي بنفس الاسم، و«المخدوعون» وهو إنتاج سوري عام 1971، عن قصة غسان كنفاني «رجال في الشمس»، و«شيء من الخوف» عام 1969 من إخراج حسين كمال، ومن بين الأفلام المهمة أيضاً والتي تتسم بالطابع السياسي أو النضالي فيلم «ما يطلبه المستمعون» للمخرج السوري عبد اللطيف عبد الحميد، والذي جاء بعد ذلك بسنوات وكان تعبيراً رومانسياً صادماً للأحلام التي عاشها جيل هذه الفترة، وفيلم «العصفور» إنتاج عام 1972 من كتابة وإنتاج إخراج يوسف شاهين. ويتحدث بوجع عن مرحلة الهزيمة.

وقد كانت ـ وما زالت ـ الجماهير العربية والخليجية، على وجه الخصوص، شديدة الحرص على مشاهدة تلك الأفلام عن طريق عرض الفيديو المنزلي، لما لها من تأثير على الثقافة العربية بشكل عام، خاصة تلك التي تناولت الفترة التي تقع فيما قبل وما بعد هزيمة 67 مباشرة، لاسيما أنها أفلام تتمتع بحرفية عالية في التنفيذ وبفنية محكمة تجعلها ترتقي إلى ذوقية المشاهد الجاد.

وهذه الأفلام بدورها يمكن تقسيمها إلى قسمين: قسم أنتج في فترة الستينات نفسها مثل «المتمردون» و«ثرثرة فوق النيل» و«القضية 68».

الذاكرة العربية

وهناك قسم آخر ظهر معظم أفلامه في الفترة من 1975 وحتى 1981 وبالتحديد بعد فيلم «الكرنك» للمخرج علي بدرخان، وقد عرفت تلك الأفلام باسم أفلام «الكرنكة» ودارت أحداثها في أروقة المعتقلات وأجهزة المخابرات، وركزت على دور مراكز القوى وتأثيرات شل الحركات الديمقراطية وترسيخ نظام الدولة البوليسية في فترة سبقت وأعقبت حرب 67.

وكلها تمثل جزءاً من تاريخ السينما المصرية التي تستحق الاهتمام لأنها تشكل في مجملها مخزناً ثقافياً للذاكرة العربية لا يمكن إغفاله. كذلك من أبرز أفلام مرحلة «الكرنكة» فيلم «وراء الشمس» 1978، و«أسياد وعبيد» الذي أخرجه علي رضا، وفيلم «إحنا بتوع الأتوبيس» لحسين كمال «إنتاج 1979».

وهكذا ارتبطت السينما العربية في معظم الدول ارتباطاً وثيقاً بالهامش الديمقراطي، فكلما اتسعت مساحة الحرية السياسية إزدادت السينما تألقاً وإزدهاراً باعتبارها مؤشراً صادقاً لنبض الحياة، وعلامة دالة على حرية الإنسان في ممارسة حقوقه الطبيعية في التعبير عن رأيه، لذا فقد كونت السينما رصيداً من الأفلام ـ رغم عدم كثرتها ـ مثلت جبهة قوية من المعارضة ولعبت دوراً رئيسياً في طرح العديد من القضايا الشائكة، وإن كانت أيضاً دالة على أننا حتى بعد مرور 56 عاماً لم نعبر بواقعية مباشرة عما حدث وأدى إلى هزيمة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى