إصدارات حديثة: ظواهر إبداعية في الأفلام المصرية والعالمية
القاهرة ـ «سينماتوغراف»
مجموعة من الدراسات المهمة في ثقافة السينما، تلقي الضوء بالرصد والتحليل على باقة من الأفلام الشهيرة في تاريخ السينما في مصر والعالم، يضمها كتاب «كتابات تأسيسية في الثقافة السينمائية» للناقد والمخرج السينمائي هاشم النحاس، الصادر حديثا في سلسلة «رؤى سينمائية» عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.
ورغم أن الكتاب عبارة عن تجميع لمجموعة من الدراسات نشرها النحاس في عدد من المجلات في الفترة من عام 1963م حتى عام 1975م، إلا أن مادتها لا تزال حية، وتشتبك مع واقع فن السينما في لحظتنا الراهنة. وهو ما يؤكده المخرج محمد كامل القليوبي، في تقديمه للكتاب قائلا عن هذه الدراسات بأنها «لا تكمن أهميتها في ريادتها فحسب، بل في قيمتها كدراسات تأسيسية تضع أسسًا معرفية للثقافة السينمائية، وتقدم فهمًا جديدًا على مستوى الثقافة العربية عمومًا والثقافة السينمائية على نحوٍ خاص».
أولى هذه الدراسات تحمل عنوان «سيكولوجية الإبداع وكيف نفيد منها في الفن السينمائي». ويقول المؤلف هنا: «أثبتت لنا الدراسات الإبداعية دور الاهتمام الذاتي والتركيز الذهني والنفسي في عملية الإبداع، بحيث يمكن لشخص ذي قدرات متوسطة واهتمام زائد بالموضوع التفوق على صاحب قدرات أعلى يفتقر إلى هذا الاهتمام» (ص20). وعن الأعمال السينمائية العالمية التي تتضح فيها ما يسميه «السمات الإبداعية»، يورد لنا أفلام: 451 فهرنهيت من إخراج تريفوو (فرنسا – 1966)، وفيلم 8.5 إخراج فيلليني (إيطاليا – 1963)، و«قابلت غجرًا سعداء» إخراج بتروفيتش (يوغوسلافيا – 1967)، و«التوت البري» إخراج إنجمار برجمان (السويد – 1958)، وهي، كما يقول عنها، من أفضل الأفلام العالمية التي نالت التقدير والجوائز في مختلف المهرجانات.
وحول العلاقة بين المشكلة التي يتناولها العمل الفني والحل الذي ينتهي إليه، ينتقل الكاتب إلى دور الدراسات النفسية في حسم الخلاف بين دور النقد الفني، وهل يجب حصره في تمجيد العمل الفني لمطابقته للمواصفات التقليدية للفن الخاص به، أم يجب تمجيده والثناء عليه لابتداعه مواصفات جديدة لم تكن طُرحت من قبل؟ هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، هل دور الفن أن يضع حلولًا للمشاكل التي يطرحها، أم الاكتفاء بإثارتها وتسليط الضوء عليها؟ تأتي الإجابة عن تلك الأسئلة من خلال الدراسات النفسية للقدرات الإبداعية التي يطرحها الكاتب، لتقف إلى جانب الجديد والمبتكر من الأعمال التي تتحقق فيها الغاية والرسالة التي يتضمنها العمل، كما تقف الدراسات النفسية للقدرات الإبداعية إلى جانب الرأي الذي ينحاز إلى اكتفاء العمل الفني بإثارة المشكلة والنفاذ إلى أعماقها، دون الالتزام بأن يضع لها حلولًا. فهذه الدراسات ترى أن الالتزام بوضع الحلول هو بمثابة حَجْر على ذهن وعقل المتلقي وحرمانه من تفعيل قدراته الإبداعية.
يرى هاشم النحاس أن واقعنا السينمائي أبعد ما يكون عن أي ظواهر إبداعية في أفلامه التي يقدمها، وهو يصفها بـ«الجمود»، وبلا أي قدرات إبداعية، ويرجع ذلك إلى عدة أسباب: أولها انعدام الحساسية تجاه المشكلات التي تعرضها الأفلام، فهي إما عن مشاكل تدور حول أحداث مفتعلة، مثل فيلم «أبي فوق الشجرة»، وإما تناولها للمشاكل من قشرتها الخارجية دون الغوص في أعماقها، مثل فيلم «من أجل حفنة أولاد»، ثانيهما الاقتصار على أساليب محدودة في التعبير، كاللجوء إلى «الرمز» في أفلام المخرج «صلاح أبو سيف»، الذي بادر المخرجون في أن يحذوا حذوه دون ابتكار أو تجديد، فأصبح الرمز «أكليشيه» في أعماله وأعمالهم أيضاً. النقطة الثالثة والأخيرة التي أدت إلى فشل أفلامنا من الناحية الفنية، والكلام ما زال للكاتب، أن أفلامنا تدور حول عدد محدود جدًا من الأفكار، بنفس الشخصيات ونفس المعالجة، مما أدى إلى انتشار ظاهرة «الممثل النمطي»، وكذلك لم تسلم الأفلام السياسية أو الهادفة من الوقوع في براثن هذا الفشل.
ومن ثم، يرى الكاتب أن رفع مستوى الإنتاج يحتاج لعدة معطيات لا بد من توافرها، أول هذه المعطيات ما يقع على كاهل فريق العمل السينمائي من فنانين وفنيين، وذلك بالاهتمام بتغيير المناخ الذي يعملون فيه، مما يتيح لهم تفجير طاقات الإبداع لديهم. ولتنقية هذا المناخ يجب «تخفيف» تلك الروح الرقابية التي تُكبّل المبدع وتضع القيود في طريقه. وثانيها، إعادة النظر في مناهج معهد السينما التي تعتمد على التلقين والحفظ دون الاعتماد على الأساليب العملية التي تساعد على اكتشاف الموهوبين والمبدعين من طلبة المعهد، لتمهد لهم الطريق للانطلاق والتوهج. وثالث الاقتراحات التي يطرحها الكاتب لرفع مستوى الإنتاج الذي يمهد لإطلاق الطاقات الإبداعية للأعمال الفنية، هو تغيير ذوق جمهور المتلقي. والعبء الأكبر هنا، كما يرى الكاتب، يقع على وزارة التربية والتعليم، التي يجب أن تعمل على إطلاق الطاقات الإبداعية لدى الأطفال، فهؤلاء نواة الفنانين والمبدعين في المستقبل من ناحية، ومن ناحية أخرى، هم الجمهور المستقبلي للأعمال الإبداعية.
وحول سينما الموجة الجديدة التي تنفرد بتواضع إنتاجها، وتكاليفها الاقتصادية، يرى النحاس أن هذا يجعلها موجة لا تخضع لديكتاتورية الجماهير التي تفرض ذوقها وشروطها على مستوى الإنتاج، وتبطل مقولة «الجمهور عاوز كده» التي طالما يتشدق بها المنتجون من أصحاب الأعمال الفنية، مما يتيح للسينما الجديدة تحقيق نزوعها إلى الإبداع والتفرد بنوعية الأفلام التي تقوم بتقديمها، بعيدًا عن مغازلة الجمهور أو الخضوع لرغباته أو متطلباته بفرض ذوقه العام على نوعية الإنتاج السينمائي. لذلك فهي سينما، والكلام للكاتب، يمكننا أن نطلق عليها بـ«الخاصة»، فهي تعتمد على جمهور نوادي السينما والجمعيات السينمائية ودور العرض محدودة العدد. لكن النقاد النحاس، يعود ويستدرك بقوله إن هذه السينما الجديدة لا تعني تجاهل السينما القديمة أو التقليدية، بل على العكس من ذلك، أن كلا منهما تصب بدلوها في الأخرى، كما يقول.
والمؤلف هاشم النحاس مخرج وناقد سينمائي، خاصة في مجال السينما التسجيلية. ألف وترجم الكثير من الكتب، منها 14 كتابا تأليفا، و3 كتب مترجمة. أخرج الكثير من الأفلام التسجيلية، منها فيلمه «النيل أرزاق» عام 1972. و«الناس والبحيرة» عام 1981. و«نجيب محفوظ ضمير عصره» عام 1989.