هل عكست السينما العالمية والعربية مساهمة المرأة في المجال العلمي؟
الوكالات ـ «سينماتوغراف»
الإنتاجات السينمائية التي تناولت حياة كتاب ومفكرين ورسامين وموسيقيين وفنانين كثيرة، سواء كسير شخصية، أو كأفلام روائية مستوحاة من فترات من حياتهم أو أعمالهم، ولطالما كانت الفنون بأنواعها غذاء نهل منه الفن السابع، لكن الحال لا ينطبق على أهل العلم والاختراعات.
وكما تقول الكاتبة والناقدة السينمائية اليمنية هدى جعفر إن “معظم الأفلام العالمية التي عالجت مواضيع علمية هي أفلام خيال علمي، أما الأفلام الروائيّة التي تناولت حياة علماء حقيقيين، فهي أقل بكثير، إذ ترك الأمر للأفلام الوثائقية. وأعتقد أنّ النقطة الجوهرية هي أن حياة العلماء والعالمات، من وجهة نظر صانعي الأفلام الروائيّة، ليست مثيرة كما يجب!”.
وإذا كان العلماء شكلوا هم وإنجازاتهم مصادر قليلة الإغراء بالنسبة لصناع الأفلام بشكل عام، فإن الأقل حظاً على الإطلاق هن النساء العالمات.
ونستغل مناسبة “اليوم العالمي للعلوم من أجل السلام وللتنمية”، لنستعرض مدى مساهمة السينما في تعريف الجمهور الواسع بنساء ساهمن في إثراء المنجز العالمي للإنسانية في حقول عدة، والإضاءة على القضايا التي كرسوا علمهن وعملهن لأجلها سواء في الماضي أو اليوم، والمساحة التي خصصتها لهن في إنتاجها.
الأوفر حظاً في عالم السينما، هي ماري كوري، العالمة بولندية الأصل والحاصلة على الجنسية الفرنسية. ولدت عام 1867 وهي مكتشفة اليورانيوم ورائدة أبحاث النشاط الإشعاعي، وأول امرأة تفوز بجائزة نوبل للعلوم، وأول من فاز بالجائزة مرتين. كما أنها وزوجها، بيير كوري، أول زوجين على الإطلاق يفوزان بجائزة نوبل، كما أشرفت ماري على أولى الدراسات لمعالجة الأورام باستخدام النظائر المشعة، وقد انتجت عن ماري كوري ثلاثة أفلام.
نشاط إشعاعي
فيلم بريطاني من إنتاج عام 2019، وهو الأحدث عن حياة ماري كوري، أخرجته الفرنسية إيرانية الأصل مارجان ساترابي، وهي أيضا مخرجة فيلم “برسبوليس” المأخوذ عن قصة مصورة بنفس العنوان.
يبدأ الفيلم وهو بطولة البريطانيين رزاموند بايك بدور ماري، وسام رايلي بدور بيير، من لحظة انهيار ماري كوري في مختبرها عام 1934 بسبب تعرضها المستمر للإشعاعات، ونقلها إلى المستشفى، ويعود بتقنية استرجاع الماضي إلى ماري التي أنهت دراستها في فرنسا، وتحاول بلا جدوى الحصول على تمويل لأبحاثها، إلى أن تدخل في شراكة مع بيير كوري، وعلاقتهما العاطفية وزواجهما، مقدما الكثير من التفاصيل عنها وعن حياتها.
ماري كوري
فيلم فرنسي من انتاج عام 2016، عرف بنسخته الإنجليزية باسم “ماري كوري: شجاعة المعرفة”، أخرجته ماري نويل، ولعبت فيه شخصية العالمة الشهيرة الممثلة كارولينا غروشكا، وحسب موقع “روتن توميتوز” فقد أشاد معظم النقاد بالفيلم وحصل على تقييم 64 في المئة، فيما رأى آخرون أن شخصية ماري كوري كانت تستحق فيلما أفضل، وأن إيقاعه البطيء كان بمثابة اختبار لصبر المشاهدين، وإن أشادوا بمستوى التمثيل.
مدام كوري
أول فيلم عن العالمة الشهيرة، وهو أمريكي من إنتاج شركة ميترو غلودن ماير عام 1934، أخرجه مرفين لوروي، ولعبت بطولته غرير غارسون في دور ماري كوري ووالتر بيدجون في دور زوجها.
ورشح الفيلم لعدة جوائز أوسكار بينها أفضل ممثل وأفضل ممثلة. ولكن تم اقتطاع معظم المشاهد التي تتحدث عن نواح علمية في الفيلم.
أغورا
فيلم عن هيباتا الإسكندرانية، الفيلسوفة وعالمة الرياضيات والفلك، التي عاشت في القرن الرابع الميلادي في فترة الحكم الروماني لمصر، في وسط لا يقبل وجود امرأة عالمة، وقتلت بعد اتهامها بالهرطقة.
والفيلم من إنتاج عام 2009 ومخرجه الإسباني أليخاندرو أمينابار، وهو بطولة الممثلة البريطانية راشيلوايسز، وينتهي بمشهد رجم جثة هيبتا، التي كان عبد والدها قد خنقها ليجنبها عذاب الرجم، وأخبر الجمع المتعطش للدماء بأنها حية ولكن قد أغمي عليها.
الحمل بآدا
فيلم خيال علمي متعلق بآدا لوفليس أول مبرمجة كومبيوتر في العالم، وإن كان تقديم سيرتها يتم بطريقة غير مباشرة عن طريق إيمي، عالمة الكومبيوتر المهووسة بالكونتيسة البريطانية آدا لوفليس.
تحاول إيمي الحامل، والخائفة من تأثير ذلك على مستقبلها العلمي، إيجاد طريقة للتواصل مع العالمة الميتة. وتنجح في النهاية، وتتمكن من التعرف على آدا ودراستها وعملها، وتحاول إقناعها بالحلول في جسدها، لكن آدا ترفض.
أنتج الفيلم عام 1997 وهو من بطولة الممثلة البريطانية تيلدا سوينتون في دور الكونتيسة آدا، وفرانشيسكا فريداني بدور إيمي، وأخرجته لين هيرشمان ليسون.
أرقام مخفية
يروي الفيلم قصة ثلاث نساء استثنائيات عانين من العنصرية على مستويين، لكونهن نساء أولاً، وأفريقيات الأصل ثانياً، وهن: كاثرين جونسون (تاراجي هينسون)، ودوروثي فون (أوكتافيا سبنسر)، وميري جاكسون (جانيل مونيه) العالمات في وكالة ناسا الأمريكية.
عملت النساء الثلاث بشكل منفصل عن نظرائهن البيض، وكن بمثابة “حواسيب بشرية”، لكن دورهن كان كبيراً في التقدم الذي أحرزته الولايات المتحدة في غزو الفضاء، خصوصاً جونسون، عالمة الرياضيات العبقرية، التي يمكن القول إن عملها مهد لهبوط الإنسان على سطح القمر عام 1969.
والفيلم من إخراج ثيودور ميلفي، وهو مأخوذ عن كتاب بنفس الاسم، تأليف مارغوت لي شيترلي، التي نقلت القصة عن والدها الذي عمل مع العالمات الثلاث في وكالة ناسا.
ترشح الفيلم لجوائز الأوسكار عن فئة أفضل فيلم، وأفضل ممثلة مساعدة، وأفضل نص مقتبس، وفاز بجائزة نقابة ممثلي الشاشة كأفضل فريق عمل.
غوريلا في الضباب
فيلم أمريكي درامي عن عالمة الحيوان ديان فوسي، التي غادرت الولايات المتحدة للقيام بدراسة مُستفيضة عن جماعات الغوريلا الجبلية على مدى 18 عاماً في رواندا وأوغندا. وكرست وقتها لحماية الحيوانات ومنع الصيد العشوائي، وساهمت في إنقاذ الغوريلا الجبلية من الانقراض.
والفيلم مأخوذ عن كتاب ألفته فوسي نفسها، وتحدثت فيه عن تجربتها الشخصية، وهو من إنتاج عام 1988، أخرجه البريطاني مايكل أبيتد، وقامت ببطولته الممثلة الأمريكية سغوني ويفر، ويصور فوسي المرأة القوية المستقلة في رحلاتها إلى أفريقيا لدراسة التواصل مع الغوريلا، وعلاقتها القوية معها، وحربها مع الصيادين.
جوي
فيلم أمريكي بلمسة كوميدية أنتج عام 2015 ، وهو من إخراج ديفيد أو راسل، ويقدم القصة الحقيقية لجوي مانغانو، وهي مخترعة أمريكية وسيدة أعمال عصامية، كانت تسعى لتقديم اختراعها الذي يعرف اليوم بـ (الممسحة السحرية) للعالم وتسويقه، والصعوبات التي واجهتها لتجد الدعم اللازم.
الفيلم من بطولة جينيفر لورانس، وروبرت دي نيرو وبرادلي كوبر، وقد ترشحت لورانس لجائزة الأوسكار كأفضل ممثلة عن دورها في الفيلم.
المهمة الزرقاء
فيلم من إنتاج نتفليكس عام 2014، أخرجه روبرت نيكسون، ويروي قصة عالمة المحيطات المشهورة عالميا سيلفيا إيرل، التي تسافر حول العالم في مهمة عاجلة لإلقاء الضوء على الحالة المزرية التي وصلت إليها المحيطات على كوكب الأرض.
وإيرل عالمة محيطات ومستكشفة أمريكية ولدت عام 1935 في منطقة قريبة من خليج المكسيك، حيث بدأ عشقها للحياة البرية والمحيطات، وأطلقت عليها مجلة تايم الأمريكية لقب “بطلة كوكب الأرض” عام 1998.
السينما العربية
لم تخل الساحة العربية بالطبع من شخصيات علمية نسائية عديدة ذات مساهمات مهمة ولافتة، ومنهن على سبيل المثال لا الحصر العالمة المصرية سميرة موسى، التي كانت أول عالمة مصرية في الفيزياء النووية، وحاولت التوصل عبر أبحاثها إلى علاجات ميسورة التكلفة، وهي القائلة “أمنيتي أن يصبح علاج السرطان بالذرة متوفراً ورخيصاً مثل الأسبرين”.
والعالمة المغربية أسمهان الوافي، الخبيرة في البحوث والتنمية الزراعية في آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط واستخدام المياه غير العذبة في الزراعة، والعالمة الإماراتية مريم مطر، التي أجرت العديد من الأبحاث حول مرض التلاسيميا.
والعالمة السعودية حياة السندي، التي اخترعت مجساً للموجات الصوتية والمغناطيسية، يمكنه تحديد الدواء المطلوب، ويساعد رواد الفضاء على مراقبة معدلات السكر وضغط الدم وله تطبيقات متعددة.
إلا أن السينما العربية التي ابتعدت بشكل عام عن أفلام السير الذاتية، إلا ما ندر، غاب حضور النساء العالمات عن انتاجها بشكل كامل، بل حتى في أفلام الخيال العلمي تقريباً.
تقول الناقدة هدى جعفر “لا توجد أفلام جدية عن العلم، ولا عن العلماء، وخاصة العالمات، حتى في أفلام الخيال العلمي، ويمكننا القول بثقة أن الإنتاج العربي بهذا المجال، يتميز بالشح والتواضع الذي يقترب من ‘الإسفاف’ ودور النساء فيها، بشكل عام بالطبع، لا يخرج عن كونهن تسلية لفريق العلماء، أو ضحايا لهم”.
وترى جعفر أن هناك موضوعين لا ثالث لهما في معظم أفلام الخيال العلمي العربية، وهما “السفر إلى القمر/أرض مجهولة، والعقاقير الكيميائية التي تغير من واقع الإنسان ثم لا يلبث أن يعرف أنّها وبالٌ عليه فيُبدي رغبته بالعودة إلى حياته السابقة مهما كانت سيئة، كما في أفلام “رحلة إلى القمر”، و”مملكة الحُب”، و”أبو عيون جريئة”.
وتضيف أن من أحدث الأفلام التي “يمكن القول أنّها تعاطت مع ثيمة التجارب العلمية هو فيلم ‘خطة جيمي ‘ إنتاج عام 2014 وتؤدي فيه المطربة ساندي دور طالبة كيمياء تتمكن من إنتاج عقار لتخفيف وزنها واستمالة حبيها!”.
أما أبرز الأفلام العربية التي تقدم موضوعا علمياً برأي جعفر فهو هو فيلم “الرقص مع الشيطان” الذي أخرجه علاء محجوب عام 1993، وهو من بطولة نور الشريف والممثلة السورية صباح السالم، وفيه يعود الدكتور واصل من الاتحاد السوفييتي، ويقضي وقته في محاولة استخراج عقار من زهور غريبة، لتؤدي به محاولاته المستميتة هذه إلى خروج حياته عن السيطرة.
وتقول الناقدة اليمنية “نبرة الهجاء السياسي بالغة العلو في هذا الفيلم، وسبب إعجابي به يكمن في إتقان الصورة بشكل كبير”.
وتضيف “في سياق متصل يُمكن أن نذكر فيلم ‘فبراير الأسود’ الذي كتبه وأخرجه محمد أمين، وهو فيلم كوميديا سوداء عن المشاكل التي تطارد العلماء المصريين. إلى أن يصل الأمر بزوجين عالميْن نتيجة الإحباط وفساد المؤسسات العلمية إلى التخصص في صناعة المخلل!”.
آمال مستقبلية
بالعودة إلى الدور التوعوي وتقريب العلم والعلماء من الحياة اليومية للبشر، والذي يمكن أن تقوم به السينما بتقديمها سير شخصيات علمية ملهمة، فلاشك في أن السينما العالمية بشكل عام والعربية في شكل خاص، لم تتقاعس بشكل واضح فحسب، بل على الأغلب خسرت أيضاً فرصا غالية لتقديم أعمال بحبكات غنية مثيرة، كان من الممكن أن تحقق نجاحاً جماهيرياً كبيراً، إن وضعنا في الحسبان حجم المعاناة وكمية التحدي اللذين رافقا لا بد مسيرة العالمات في أنحاء العالم.