«المخابرات فى هوليوود».. كتاب يكشف خفايا صناعة السينما والأهداف الأمريكية
القاهرة ـ «سينماتوغراف»
يعتقد الكثير من الناس أن أمريكا تتمتع بالديمقراطية الكاملة التى تجعلها بمعزل عن تدخل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية فى صناعة السينما، لكن هذا غير حقيقى، فكتاب «وكالة المخابرات المركزية بهوليوود.. كيف تشكل الوكالة الأفلام والتليفزيون؟» للكاتبة تريسيا جينكنز، وترجمة محمود على، كشف عن الكثير من خفايا صناعة السينما وتدخل المخابرات فيها.
قالت المؤلفة تريسيا جينكنز: «كانت الوكالة شديدة الاهتمام بهوليوود، لأنها كانت ترى أن الأفلام أفضل وسيلة لنقل الرسائل المؤيدة للديمقراطية، فى البلدان التى ترتفع فيها نسبة الأمية، لذا شرعت فى التأثير فى العديد من شركات الإنتاج للعمل مع المناهضين للشيوعية».
وأشارت الكاتبة إلى أن المخابرات المركزية تزعم بأنها بدأت التعاون مع هوليوود فى التسعينيات لتصحيح صورتها فى السينما والتليفزيون، نظرًا لأن هذه الوسائط عادة ما تصورها على أنها شريرة ولا أخلاقية تنزع للاغتيال والفشل، والعوامل التى أدت لتعامل الوكالة مع هوليوود فى التسعينيات منها أن كثيرًا ما اتهمت الوكالة من خلال الخطاب الشعبى بحرصها المبالغ فيه على السرية بلا سبب.
وتابعت: «نظرًا لتاريخ الوكالة فى الحفاظ على سريتها، كان قرارها بفتح الأبواب لصناعة الترفيه فى التسعينيات مفاجئًا لكثيرين، لكن مع نهاية الحرب الباردة واختفاء اثنين من ألد أعداء الولايات المتحدة، وهما الشيوعية والاتحاد السوفيتى عام 1991، أصبحت الوكالة على اتصال برجال السينما، لتنفيذ عمليات سرية وحملات دعائية».
وأوضحت أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية استعانت بضباط اتصال فى عالم الترفيه، لتحسين صورتها فى وسائل الإعلام الجماهيرية، وكمثال فإن مكتب التحقيقات الفيدرالى أنشأ فى الثلاثينيات من القرن الماضى مكتبًا لتحسين صورته فى البرامج الإذاعية والتليفزيونية والأفلام، مثل «رجال المباحث» عام 1935 و«قصة مكتب التحقيقات الفيدرالى» عام 1959.
وخلال عام 1947، انتهجت وزارة الدفاع نفس النهج، ومن بعدها الجيش والقوات البحرية والجوية وخفر السواحل وإدارة الأمن الوطنى والخدمة السرية، وتتبعها مكاتب فى صناعة السينما والتليفزيون أو مساعدون رسميون فى وسائل الإعلام.
وأكدت المؤلفة- فى كتابها الذى يضم بين دفتيه 286 صفحة- أنه رغم وجودها منذ عام 1947، فقد كانت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية آخر وكالة حكومية تقيم رسميًا علاقة بصناعة السينما، والواقع أنه لم يكن لها برنامج محدد فى مجال الترفيه فى بداية التسعينيات من القرن الماضى، ولم تستخدم «شيس براون» كأول ضابط اتصال بصناعة الترفيه حتى عام 1996.
وأكملت: «نظرًا لأن جهودها فى السينما والتليفزيون حديثة نسبيًا، فإن القليل من الباحثين درس هذا التعاون ودوافعه ومناهجه، وهو النقص الذى يثير الدهشة رغم تأثير الوكالة فى تشكيل مضمون العديد من الأفلام والأعمال التليفزيونية، مثل (عدو الدولة) و(فى صحبة الجواسيس) و(الوكالة) و(اسم مستعار) و(الصحبة السيئة) و(أرجو)، إضافة إلى عدد آخر من الأفلام، منها ما هو قيد الإنتاج».
وطرحت المؤلفة العديد من الأسئلة، وأصدرت الكتاب من أجل الإجابة عنها التى تتعلق بتورط الوكالة فى هوليوود، منها: «ما طبيعة دور الوكالة فى صناعة السينما؟ وما النصوص والأعمال التى تأثرت بهذا التدخل ولأى الغايات؟ وما الأحداث التى دفعت جهاز المخابرات لأن يغير سياساته إلى سياسة الباب المفتوح أمام هوليوود فى التسعينيات؟ وكيف كانت الصورة التقليدية التى كانت تقدم عن المخابرات فى السينما والتليفزيون؟».
واستعانت المؤلفة باستخدام التحليل النصى للعديد من النصوص الفيلمية للإجابة عن الأسئلة التى يتمركز حولها الكتاب، والتى ساعدت فيها الوكالة، كما استعانت بالدراسات الأكاديمية والصحفية، والأكثر أهمية الاستعانة بالعديد من اللقاءات والحوارات مع العاملين بالعلاقات العامة بالمخابرات وضباط العمليات والمؤرخين والمستشارين الفنيين فى هوليوود، والمنتجين وكتاب السيناريو ممن عملوا لحساب الوكالة عبر السنين، وهى اللقاءات التى تبصرنا بمدى طبيعة هذه الأعمال، التى أسهمت فيها الوكالة بالمساعدة، وما يدور خلف الكواليس من منظور اقتصادى للإنتاج.
وترى المؤلفة أن الكتاب له أهمية كبيرة، لأنه يكشف عن مدى تورط الوكالة فى تشكيل محتوى أفلام السينما والتليفزيون، ولا ندرك كيف ولماذا أصبحت الوكالة أكثر تورطًا فى هذا المجال خلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة، وكما كتب البعض، فإن الجدل حول الدعاية السينمائية غالبًا ما يدور عن الماضى، وفى حين أشار آخرون للعلاقة الطويلة بين هوليوود والبنتاجون، فإن القليل منها لم يكتب عن التأثيرات السرية، التى تمارسها هوليوود فى عالم ما بعد 11 سبتمبر، ومن المغالطات وسوء الفهم حول وكالة المخابرات المركزية أنها تتجنب عن عمد عدم التعرض لوسائل الإعلام، والكشف عما بقى حتى اليوم سرًا فى منظمة حول علاقة الوكالة بهوليوود.
وقالت الكاتبة: «على الرغم من كثرة المعلومات التى يحتويها الكتاب، يظل مقيدًا بحدود، ذلك لأن الوكالة ليست منظمة مفتوحة، والكثير من العاملين بها يلتزمون الصمت، حتى إزاء المعلومات الأولية، كما أنها غالبًا تفضل الاتصال بالوكلاء عبر التليفزيون أو البريد الإلكترونى والرسائل، ولأن الكثير من وثائقها مستثناة من قانون حرية الإعلام، فإنها نادرًا ما تترك وراءها أثرًا، ولو ورقة، ولم يجد الباحثون أمامهم سوى القليل لدراسته، والنتيجة أن تاريخ الوكالة مع هوليوود الآن، شفهى أكثر منه مكتوبًا».
وفى خاتمة الكتاب، قالت «جينكنز»: «منذ بداية ظهور وكالة المخابرات المركزية فى السينما فى الستينيات من القرن الماضى، كانت تصور بصورة سلبية تمامًا، ومعظم ما تقدمه عن (لانجلى) يدور حول صورتها كمنظمة شريرة تعمل خارج المراقبة الفعالة، ومنظمة خبيثة تخون أصولها وممتلكاتها والعاملين بها من الضباط، وأنها ذات نزعة شريرة للاغتيال والتهريج وغير كفء».
وتابعت: «من هذا التاريخ السينمائى يمكننا أن نتفهم رغبة الجهاز فى تعديل صورته الجماهيرية بالعمل مع مبدعى هوليوود، إلا أن ثقافته السرية كانت عائقًا أمام تحقيق هذا الهدف حتى نهاية التسعينيات من القرن الماضى، وقد واجهت الوكالة المركزية منذ بداية هذا العقد عددًا من تجارب الإخفاق تطلبت منها أن تكون أكثر فاعلية فى تشكيل صورتها العامة، من بين هذه التحديات انهيار الاتحاد السوفيتى الذى أثار العديد من التساؤلات حول الحاجة إليها فى فترة ما بعد الحرب الباردة وما صاحب قضية (ألدريش أميس) من دعاية لم تقتصر فقط على فشل وكالة المخابرات المركزية فى التخلص من العشب الضار لما يقرب من عقد».
وتشير إلى أن عملية التأثير الحكومية على نصوص «أعمال» هوليوود ليست بوسيلة ضغط لعمل الدعاية، لذلك فنانو السينما والتليفزيون أحرار دائمًا فى رفض التغييرات المطلوبة من الوكالة، كما أنهم ليسوا تحت رحمة رقابة الوكالة الرسمية، ومع ذلك فإن العلاقة بين هوليوود والوكالة يشوبها القلق لعدة أسباب أبرزها: إن هؤلاء الفنانين يتطلعون لزيادة موثوقية أعمالهم بإجراء أبحاث من خلال مصادر الوكالة.