سليمان سيسيه أيقونة السينما الأفريقية الذي حظي بـ«عربة كان الذهبية»
كان (فرنسا) ـ «سينماتوغراف»
يجر وراءه تجربة سينمائية أفريقية غنية ومتنوعة ذات جودة عالية، بشهادة النقاد. إنه المخرج المالي سليمان سيسيه، الذي يعتبر “أفلامه ثورة ضد الظلم”، والمتوج في مهرجان كان السينمائي الـ 76 بـ”العربة الذهبية”، اعترافا بمساره الكبير في الفن السابع أفريقيا.
وكان سيسيه قد حصل على جائزة لجنة التحكيم لمهرجان كان عن فيلمه “النور” في 1987، وواصل بذلك شد انتباه عشاق الشاشة الكبرى عبر أعماله المتميزة والمنخرطة في هموم الشعب المالي والأفريقي عامة، بينها “الفتاة الصغيرة” الذي عرض أمام جمهور “نصف شهر المخرجين” بمناسبة تكريمه.
“كل أفلامي تحمل ثورة ضد الظلم”. هكذا يلخص المخرج المالي المعروف سليمان سيسيه، 82 عاماً، مسيرته السينمائية المثيرة والغنية، الممتدة لأكثر من خمسين عاما، كمقاومة فنية منه للحيف والظلم، صنع منها خيطا رفيعا، يربط بين مجموع أعماله.
وقال أمام جمهور “نصف شهر المخرجين” في مهرجان كان، الذي حضر لمشاهدة فيلمه المتميز “الفتاة الصغيرة”، وهو عمل فريد أخرجه في 1975 وقدم في عرض استثنائي قبل الحديث عن تجربته وتكريمه، “أمقت الظلم، وحيثما وجد يجب الانتفاض ضده”. وتعرض في إطار برنامج هذه الفئة أفلام وقع عليها الاختيار، لـ”خطابها الاستثنائي، الذي “يجسد روح المقاومة لكل أشكال الإيديولوجيا والخطاب المهيمن”، وفق الجهة المنظمة.
واختيار نقابة المخرجين الفرنسيين، التي تشرف على تنظيم “نصف شهر المخرجين”، لسيسيه لمنحه “العربة الذهبية”، له ما يبرره فعلاً، بحكم أنه قامة سينمائية، ينظر لها عادة كأيقونة الفن السابع في أفريقيا، استطاعت أن تصنع لها اسما على المستوى العالمي في ظروف ليست بالسهلة.
كما يأتي ضمن أسباب هذا الاختيار، أسلوبه الفريد الذي يدرس في مجموعة من معاهد السينما لمخرج متمرس، يملك فعليا أدوات الإبداع السينمائي على كل المستويات، ما يصبغ على أعماله روح خاصة، لا نراها إلا في أعمال كبار المخرجين. فهو يعتمد فيها عادة، “المزج بين الشعر والسياسة والنقد الاجتماعي والأساطير.. “.
ولد سليمان سيسيه في باماكو بمالي قبل أن ينتقل برفقة أسرته إلى داكار، التي ترعرع فيها، وهناك بعض وسائل إعلام تعتبره خطأ سينغاليا. وعاد إلى مالي في 1960. عشقه للسينما تولد في داكار قبل أن ينتقل في 1963 إلى موسكو لدراسة السينما على يد أحد كبار المخرجين السوفيات وقتها مارك دونسكوي.
ذاع صيته خاصة بين 1975 و1987 بفضل أربعة أفلام توجت بفيلم “يلين” “النور” الفائز بجائزة التحكيم في مهرجان كان السنة نفسها. وهو ثاني مخرج أفريقي يحصد جائزة “العربة الذهبية” بعد السنغالي سامبين عثمان في 2005، الذي خصص له وثائقيا بعنوان “أو عثمان”، إذ يعد الأخير أحد رواد السينما الأفريقية أيضا، ويعتبر هذا العمل ذاكرة حقيقية ورمزية لأحد الأسماء المهمة في إشعاع سينما القارة عبر العالم.
وفي إطار تكريم سيسيه، اختير فيلمه “الفتاة الصغيرة” للعرض أمام جمهور “نصف شهر المخرجين” رغم قدمه، حيث يعود تاريخ إخراجه إلى أكثر من أربعين عاماً. لكن كل هذه السنوات التي مرت عليه، لم يفقده أي شيء من قيمته السينمائية ولا حتى التيمية أو الموضوعاتية.
ويعالج الفيلم حمل الفتيات غير المتزوجات ومعاناتهن وسط أسرهن. ويروي القصة في قالب درامي، مصاحب بالصور الشعرية والمقاطع الموسيقية والغنائية المستقاة من التراث المحلي. وفكرة الفيلم تولدت من داخل عائلته، حيث وقعت ابنة أخيه في هذا الوضع المأساوي بالنسبة لأي فتاة بالقارة السمراء.
والصعوبات الأولى التي واجهها المخرج هو إيجاد ممثلين قادرين على تبني فكرة الفيلم، وتقمص الأدوار المطلوبة بشأنه على الشاشة الكبرى. فاستغرق البحث ثلاثة أشهر لإيجاد ممثلة تقوم بهذا الدور. وللحصول على ترخيص لتصويره، كان عليه أن يمر من جمعية حكومية، وعند إخراجه زعمت ذات الجمعية أنها تولت إنتاجه، وهو ما ينفيه سيسيه إطلاقاً، مؤكداً أنها لم تدفع ولو سنتيما واحدا في الفيلم.
وعلى خلفية هذا النزاع، وضع رهن الاعتقال لمدة عام قبل أن يفرج عنه بقرار من رئيس البلاد وقتها موسى تراوري. فنال الفيلم شعبية كبيرة بعد أن كان ممنوعاً لثلاث سنوات.