أحداث و تقارير

«أمور شخصية» حب وتانغو في مواجهة الاحتلال الذي اخترق الروح الفلسطينية

هدى ابراهيم

كان ـ بقلم هدى ابراهيم

«أمور شخصية» هو أحد هذه الأفلام الفلسطينية التي تنفذ الى قلب الواقع الفلسطيني الاجتماعي والسياسي عن طريق قضايا العائلة، وهذا ما سبق وشاهدناه في أفلام فلسطينية أخيرة انجزها فلسطينيو الداخل كما مع ايليا سليمان وسهى عراف على سبيل المثال، وهو ما نشاهده اليوم مع فيلم «أمور شخصية» الذي يعتبر التجربة السينمائية الأولى للمخرجة مهى الحاج، والمشارك بتظاهرة «نظرة ما» ضمن فعاليات مهرجان كان السينمائي التاسع والستين.

غير ان الفيلم الذي ينفذ الى قلب البيت الفلسطيني ينطلق فورا ودون مواربة ليصور العلاقات المربكة داخل عائلة مكونة من ثلاثة اجيال ومن المجتمع النصراوي المسيحي، الموزع في الجغرافيا الفلسطينية المشرذمة أو الذي يضطر للعيش في الخارج بعيدا عما يفرضه الواقع الفلسطيني، مع ذلك فالواقع يلاحقه.

thumb_1566_film_main_big

في «أمور شخصية» يعيش كل جيل من بين الاجيال الثلاثة ازمته الخاصة والتي لا يملك لها حلا أو لا يقوى على حلها. كأن الشخصيات كلها دخلت في مرحلة من زمن معلق ما ضائع بين الماضي والحاضر، مساحة قائمة في هذا الثبات والمراوحة في المكان المقفل، تماما كما الجدة التي لم تعد قادرة على مغادرة البيت، مساحة الأمان الوحيدة المتبقية لها.

كل جيل يرمز الى فئة من فئات المجتمع الفلسطيني، فالجدة أضاعت ذاكرتها وتتذكر شيئا واحدا فقط من طفولتها لا زالت تعيش وهي خائفة منه، ان يتم نسيانها كما نسيها والدها وهي طفلة في مدينة أخرى. هذا الجيل المصاب بفقد الذاكرة أو الذي لا يريد أن يتذكر والذي يحمله الجيل الشاب مسؤولية خسارة فلسطين.

أما عبر شخصيتي الأب والأم، اللذان فقدا أي قدرة على الحوار وبهتت العلاقة بينهما ليسقطا في روتين الحياة اليومية الاعتيادي، فهي ترمز الى جيل لم يعد يقدم على شيء، حتى الانفصال رغم انتهاء كل شيء وهو يترك القرار معلقا، رغم انتهاء العلاقة. انه جيل ميت قبل الموت ولم يعد يأبه لشيء.

thumb_1570_film_film_big

ولناحية جيل الابناء فرغم تصالحه بشكل اكبر مع المحيط والواقع عبر رام الله حيث يعيش الاخ محبا عازبا واخته مع زوجها بانتظار طفلهما، هذا الجيل يبدو وحيدا أيضا ومتوترا، لا يقرر. وحتى الأخ الذي اختار الهجرة الى السويد فهو لا يتقدم كذلك في حياته الشخصية ولا يستقر رغم هدوء الحياة وموائمتها للعيش الهنيء الممكن.

من حيث الجوانب الفنية، بدت المخرجة متمكنة تماما من ادواتها، تحب ممثليها وتمنحهم الوقت ليكونوا هم، تعنى بالاطارات الى حد كبير وتضع لها اضاءة جميلة، ثابتة، حزين.

غير ان المخرجة لا تنسى ان تضفي على هذه الدراما العائلية الكثير من الايماء وبعض الطرافة والسخرية التي تكسر بها حدة الواقع الثقيل.

thumb_1567_film_film_big

في «أمور شخصية» يبدو العالم نظيفا، متقنا، خاليا الا من الضروري، تفاصيله مختارة بدقة وعناية، وامكنته تتوافق وطبائع شخصياته، التي لا تتحدث الا قليلا وتظل مأخوذة الى عزلتها ووحدتها الخاصة.

هي انوات لشخصيات معقدة مسورة بثقل المكان المقفل حيث تنغلق فيه على ذاتها، وتبدو كلها شخصيات مأزومة، عالقة في خواء المكان المحاصر وبانتظار حصول معجزة تنقذها من ورطتها المحكمة.

كما أنها شخصيات محرومة من الاتساع ولا فضاء امام روحها، مع ذلك، وفي مشهد من ابرز مشاهد الفيلم حين يصادف ان يحصل زوج البنت التي تعيش في رام الله على تصريح للذهاب الى حيفا ويرى البحر لأول مرة في حياته، كما معظم سكان الضفة الغربية، عندها يتحول الى طفل، ويترك نفسه تنساب على سجيتها.

كأنما الحواجز العسكرية وشرذمة الارض ولدت حواجز داخل الذات، ليس من السهل الامساك بها فكيف بفك عقدتها، هذا ما يلمح اليه الشريط المستوحى في جانب منه من حياة اهل المخرجة التي طورت فكرتها نحو اضافات درامية جاءت لتكمل صورة العائلة المحاصرة من الداخل والمسورة بحواجز نفسية كثيفة.

thumb_1568_film_film_big

وفي «أمور شخصية» تنتقد المخرجة بشكل غير مباشر عادات المجتمع الفلسطيني حيث من الصعب جدا التوصل الى حياة خاصة في وقت تريد فيه العائلة التدخل في كل كبيرة وصغيرة.

ولم يكن الممثلون في الشريط كلهم من المحترفين رغم اجادة الاداء الذي يمكن ان تعتبر احدى ميزات الفيلم حتى وان اختارت المخرجة اصدقاء لعائلتها لأداء دور الأهل ودور الجدة.

هذه المرة دخل الاحتلال الى قلب الروح ليقيم فيها حواجزه ، احتل النفس الفلسطينية ليحدث فيها ما هو اخطر من الحاجز العسكري على الارض. في الداخل يتعطل كل شيء، لذلك ربما تفضل الجدة العودة الى زمن الابيض والاسود على التلفزيون، الزمن الجميل قبل كل ذلك الخراب.

ولم يسبق لمهى الحاج ان درست السينما من قبل، لكنها عملت كمديرة فنية على عدد من الأفلام الفلسطينية وبدأت العمل في السينما بعد الاربعين وانجزت قبل عملها الاول هذا شريطين قصيرين.

كلمة اخيرة عن التمويل الاسرائيلي للفيلم والذي بسببه بات على مخرجي فلسطين الداخل التوقيع على وثيقة تقول بان الفيلم «اسرائيلي يمثل دولة اسرائيل» وهذا أحد شروط الانتاج، الفن لا يمكن مصادرته، و«أمور شخصية» فلسطيني في هويته وحكايته ومجتمعه وروحه ومخرجته. والباقي تفصيل.

thumb_1565_film_poster_big

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى